يخاف من المجهول، ويخاف من المستقبل... والإنسان، قبل كل شئ وبعد كل شئ، يفكر:
يحلل المواقف والمشكلات التي تواجهه، ويركبها، ويوازن بين احتمالاتها، ويرجح ويختار، ويتحرك وفقا لاختياره، فهو إذن يستجيب في حركته لعالمه الخارجي ولعالمه الداخلي من موقع الإختيار باعتباره كائنا حرا لا من موقع الضرورة.
ومن هنا فإن الخطأ في التحليل والتركيب والاختيار، والرجوع إلى الوراء في حركته، وما يؤدي إليه ذلك من خيبات الأمل في خططه ومشاريعه - أمور حدثت للإنسان دائما في حركته التاريخية.
ولذا فإن تاريخ الإنسان كما هو سجل مشرق ومشرف لانتصاراته وإنجازاته في الطبيعة والمجتمع هو كذلك سجل كئيب حافل بأخطائه، وانتكاسات حركته نحو المستقبل، وخيبات أمله.
* ومن أسوأ ما يمكن أن يقع فيه الإنسان من أخطاء: حسبانه في كثير من الحالات أنه كان دائما على صواب، وأن تاريخه يمثل خطا صاعدا باستمرار، وأن حركته نحو المستقبل - لذلك - تقدمية دائما، خيرة دائما، صائبة دائما، لا يتخللها خطأ ولا انحراف.
ومثل ذلك في السوء حسبانه أن كل ماضيه خطأ وتخلف، ومن ثم فهذا الماضي لا يستحق منه الالتفات والمراجعة، وأنه اهتدى إلى النظرة الصائبة في حاضره، وأنه في حركته نحو المستقبل حليف الصواب والتوفيق باستمرار.
إن هذا الحسبان وذلك يحملان الإنسان على ارتكاب مزيد من الأخطاء، والوقوع في كثير من المآسي وخيبات الأمل.
ذلك بأن الإنسان حين يخال حركة التاريخ دائما على صواب فإنه يلغي جميع المؤثرات الإنسانية، ويسلم نفسه لحركة التاريخ الإنساني كما لو كان هذا التاريخ خاضعا لمنطق الضرورة كتاريخ الجماد والنبات والحيوان. ومن ثم فإنه يرتكب الأخطاء الكبرى وهو يحسب أنه على صواب، ويصحح أخطاءه بأخطاء أخرى