اعتماد نظرة أخرى تقيم التوازن في السعي نحو التقدم بين حاجات الإنسان الروحية ووضعيته الأخلاقية من جهة وبين حاجاته وطموحاته المادية من جهة أخرى، منذرين بأن استمرار الحضارة في ماديتها الخالصة سيؤدي إلى خرابها ودمار الإنسانية أو جانب كبير منها.
إن نظرة هؤلاء المستقبليين من ذوي العقول النيرة في العالم الغربي (والشرقي؟) قريبة من نظرة الإسلام إلى مسألة التقدم والتخلف مع تأكيدنا على وجود اختلافات جمة تعود إلى تفاصيل النظرة وإلى الوسائل والأساليب.
فالإسلام - ممثلا بالقرآن الكريم، والسنة الشريفة، والفقه - إذ يدفع بالإنسان نحو المستقبل الأفضل من حاضره وماضيه، يركز على أن هذه الأفضلية تقوم على مقياس مركب يعطي لكل واحد من المادة والمعنى دورا حاسما وأساسا في إنجاز التقدم المتكامل المعافي، فلا بد أن تحقق حركة الإنسان في الزمان والمكان تقدما وتكاملا على صعيد المادة وعلى صعيد الوضعية الأخلاقية والصفات الإنسانية لتكون حركته تقدمية.
قال الله تعالى:
وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك، ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين 1.
وقال تعالى:
يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد، وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين. قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق؟ قل: هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة، كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون. قل: إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن،، والإثم، والبغي بغير الحق، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون 2.