ان هناك أشياء كثيرة كان الأقدمون يعرفون عنها بعض المعارف الجزئية، وكانت معرفتهم هذه ناقصة جدا بالنسبة إلى المعرفة التي أتيحت للانسان اليوم، بفضل الاختراعات الحديثة. وقد واجه القرآن في هذا الصدد مشكلة كبرى، فهو لم يكن كتابا في العلوم والهندسة، ولذلك لو أنه كان بدأ يكشف عن أسرار الطبيعة لاختلف الناس فيما بينهم حول ما جاء في القرآن، ولاستحال عندئذ بلوغ الهدف الحقيقي من نزول القرآن، وهو اصلاح العقل الانساني وتزكيته. فمن اعجاز القرآن أنه تكلم في لغة العلم، قبل كشفه، كما أنه استعمل كلمات وتعبيرات لم يستوحشها أذواق الأقدمين ولا معارفهم، على حين أحاطت بكشوف العصر الحديث!.
* * * النوع الأول (1) ذكر القرآن الكريم قانونا خاصا بالماء في صورتين: هما الفرقان والرحمن. وجاء في السورة الأولى:
(وهو الذي مرج البحرين. هذا عذاب فرات، وهذا ملح أجاج. وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا (1).
وأما الآية التي وردت في السورة الأخرى فهي تقول:
(مرج البحرين يلتقيان، بينهما برزخ لا يبغيان).
ان الظاهرة الطبيعية التي يذكرها القرآن في هذه الآيات معروفة عند الانسان منذ أقدم العصور، وهي أنه إذا ما التقى نهران في ممر مائي واحد فماء أحدهما لا يدخل (أي لا يذوب) في الآخر. وهناك، على سبيل المثال، نهران يسيران في تشاتغام بباكستان الشرقية إلى مدينة أركان، في بورما، ويمكن مشاهدة النهرين، مستقلا أحدهما عن الآخر، ويبدو أن خيطا يمر بينهما، حدا فاصلا، والماء عذب في جانب، وملح في جانب آخر. وهذا هو شأن الأنهار القريبة من السواحل، فماء البحر يدخل ماء النهر عند حدوث المد البحري، ولكنهما لا يختلطان، ويبقى الماء عذبا تحت الماء الأجاج. وهكذا شاهدت عند ملتقى نهري الكنج والجامونا، في مدينة الله آباد، فهما رغم التقائهما لم تختلط مياههما، ويبدو أن خيطا فاصلا يميز أحدهما من الآخر (3).
ان هذه الظاهرة، كما قلت، كانت معروفة لدى الانسان القديم.. ولكنا لم نكشف