عجائب الآثار - الجبرتي - ج ٣ - الصفحة ٤٢٢
ومعاشرة الفضلاء ومجالستهم والمناقشة معهم في النكات واقتناء الكتب من كل فن كل ذلك مع الجد والتحصيل للأسباب الدنيوية وما يتوصل به إلى كثرة الايراد بحسن تداخل وجميل طريقة مبعدة عما يخل بالمقدار بحيث يقضى مرامه من العظيم وجميل الفضل له ويراسل ويكاتب ويشاحح على أدنى شئ ويحاسب ولا يدفع لأرباب الأقلام عوائدهم المقررة في الدفاتر بل يرون اخذها منه من الكبائر وكذلك دواوين المكوس المبني على الاجحاف فكل ما نسب له فيها فهو معاف وكلما طال الأمد زاد المدد وخصوصا إذا تقلبت الدول وارتفعت السفل كان الأسبق القديم في أعينهم هو الجليل العظيم وهم لديه صغار لا ينظر إليهم إلا بعين الاحتقار ولما انقرضت بقايا الشيوخ الذين كان يهابهم ويخضع لهم ويتأدب معهم وكانوا على طرائق الأقدمين في العفة والانجماع عما يخل بتعظيم العلم وأهله والتباعد عن بني الدنيا الا بقدر الضرورة وخلف من بعدهم من هم على خلاف ذلك وهم أعاظم مدرسي الوقت فاحدقوا به وأكثروا من الترداد عليه وعلى موائده وبالغوا في تعظيمه وتقبيل يده ومدحوه بالقصائد البليغة طمعا في صلاته وجوائزه القليلة وحصول الشهرة لهم وزوال الخمول والتعارف بمن يتردد إلى داره من الامراء والأكابر وزاد هو أيضا وجها ووجاهة بمجالستهم ولا يريهم فضلا بسعيهم اليه ويزداد كبرا وتيها وبلغ به انه لا يقوم لأكثرهم إذا دخل عليه وقتهم من يدخل بغاية الأدب فيضم ثيابه ويقول عند مشاهدته يا مولاي يا واحد فيجيبه هو بقوله يا مولاي يا دائم يا علي يا حكيم فإذا حصل بالقرب منه بنحو ذراعين حبا على ركبتيه ومد يمينه لتقبيل يده أو طرف ثوبه واما الأدون فلا يقبل طراف ثوبه وكذلك اتباعه وخدمه الخواص وإذا كان من أهل الذمة أو كبار المباشرين وقبلوا يده وخاطبهم في أشغاله وهم قيام وانصرف فوا طلب الطشت والأبريق وغسل يده بالصابون لإزالة ءاثر أفواههم ولا يجيب في رد التحية الا بقول خير خير ولا يقطع غالب أوقاته مع مجالسيه وخاصته ومسامريه الا بانتقاد
(٤٢٢)
مفاتيح البحث: الأكل (1)، الغسل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 417 418 419 420 421 422 423 424 425 426 427 ... » »»