عجائب الآثار - الجبرتي - ج ٣ - الصفحة ١٦٨
الانكليز لم يعلم بسفره أحد ولم يظهر سفره الا بعد مضي اشهر فلذلك امر الباشا ذلك المبشر أن يركب بالخلعة ويمر بها من وسط المدينة ومع ذلك استمروا في شكهم نحو شهرين حتى قويت عندهم القرائن بما حصل بعد ذلك فإنه لما مات تفرقت قبائل العربان التي كانت متجمعة حوله وبعضهم ارسل يطلب أمانا من الباشا وغير ذلك مما تقدم ذكره وخبره في ضمن ما تقدم وكان محمد علي باشا يقول ما دام هذا الألفي موجودا لايهنأ لي عيش ومثالي انا وهو مثال بهلوانين بلعبان على الحبل لكن هو في رجليه قبقاب فلما اتاه المبشر بموته قال بعد أن تحقق ذلك الان طابت لي مصر وماعدت احسب لغيره حسابا وكان المترجم أميرا جليلا مهيبا محتشما مدبرا بعيد الفكر في عواقب الأمور صحيح الفراسة إذا نظر في سحنة انسان عرف حاله واخلاقه بمجرد النظر اليه قوي الشكيمة صعب المراس عظيم البأس ذا غيره حتى على من ينتمي اليه أو ينسب إلى طرفه يحب علو الهمة في كل شئ حتى أن التجار الذين يعاملهم في المشتروات لايساومهم ولا يفاصلهم في أثمانها بل يكتبون الأثمان بأنفسهم كما يحبون ويريدون في قوائم ويأخذها الكاتب ليعرضها عليه فيمضي عليها ولا ينظر فيها ويرى أن النظر في مثل ذلك أو المحاققة فيه عيب ونقض يخل بالأمرية ولا تمضي السنة الا والجميع قد استوفوا حقوقهم ويستأنفوا احتياجات العام الجديد ولذلك راج حال المعاملين له رواجا عظيما لكثرة ربحهم عليه ومكاسبهم ومع ذلك يواسيهم في جملة أحبابه والمنتسبين اليه بأرسال الغلال لمؤنه بيوتهم وعيالهم وكساوي العيد وينتصر لاتباعه ولمن انتمى اليه ويجب لهم رفعة القدر من غيرهم مع أنه إذا حصل من أحد منهم هفوة تخل بالمروءة عنفه وزجره فترى كشافة ومماليكه مع شدة مراسهم وقوة نفوسهم وصعوبتهم يخافونه خوفا شديدا ويهابون خطابه ومن عجيب امره ومناقبه التي انفرد بها عن غيره امتثال جميع قبائل العربان الكائنين بالقطر المصري لامره وتسخيرهم وطاعتهم له لايخالفونه
(١٦٨)
مفاتيح البحث: الموت (1)، الخوف (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 ... » »»