عجائب الآثار - الجبرتي - ج ٣ - الصفحة ١٦٧
باهتين ومتعجبين ويتناجون فيما بينهم ويتشاورون في تقدمهم وتأخرهم وقد أصابوه بأعينهم ولم يزل سائرا حتى وصل إلى قريب قناطر شبرامنت فنزل علي علوة هناك وجلس عليها وزاد به الهاجس والقهر ونظر إلى جهة مصر وقال يا مصر انظري أولادك وهم حولك مشتتين متباعدين مشردين واستوطنك اجلاف الأتراك واليهود وأرذل الارنؤد وصاروا يقبضون خراجك ويحاربون أولادك ويقاتلون ابطالك ويقاومون فرسانك ويهدمون دورك ويسكنون قصورك ويفسقون بولدانك وحورك ويطمسون بهجتك ونورك ولم يزل يردد هذا الكلام وأمثاله وقد تحرك به خلط دموي وفي الحال تقايا دما وقال قضى الامر وخلصت مصر لمحمد علي وما ثم من ينازعه ويغالبه وجرى حكمه على المماليك المصرية فما أظن أن تقوم لهم راية بعد اليوم ثم إنه احضر امراءه وامر عليهم شاهين بك وأوصاه بخشداشينه وأوصاهم به وان يحرصوا على دوام الألفة بينهم وترك التنازع الموجب للتفرق والتفاشل وان يحذروا من مخادعة عدوهم وأوصاهم انه إذا مات يحملونه إلى وادي البهنسا ويدفنونه بجوار قبور الشهداء فمات في تلك الليلة وهي ليلة الأربعاء تاسع عشر ذي القعدة فلما مات غسلوه وكفنوه وصلوا عليه وحملوه على بعير وأرسلوه إلى البهنسا ودفنوه هناك بجوار الشهداء وانقضى نحبه فسبحان من له سرمدية البقاء وفي الحال حضر المبشر إلى محمد علي باشا وبشره بموت المترجم فلم يصدقه واستغرب ذلك وحبس البدوي الذي اتاه بالبشارة أربعة أيام وذلك لان اتباعه كانوا كتموا امر موته ولم يذيعوه في عرضيه والذي أشاع الخبر واتى بالبشارة رفيق البدوي الذي حمله على بعيره ولما ثبت موته عند الباشا امتلأ فرحا وسرورا وكذلك خاصته ورفعوا رؤوسهم واحضر ذلك المبشر فألبسه فروة سمور وأعطاه مالا وأمره أن يركب بتلك الخلعة ويشق بها من وسط المدينة ليراه أهل البلدة وشاع ذلك الخبر في الناس من وقت حضور المبشر وهم يكذبون ذلك الخبر ويقولون هذا من جملة تحيلاته فإنه لما سافر إلى بلاد
(١٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»