عجائب الآثار - الجبرتي - ج ٣ - الصفحة ١٧٢
مسامرتهم معه تلك الليلة في ذكر العدالة الموجبة لعمار البلاد ويقول لسليمان بك في التمثيل الانسان الذي يكون له ماشية يقتات هو وعياله من لبنها وسمنها وجبنها يلزمه أن يرفق بها في العلف حتى تدر وتسمن وتنتج له النتاج بخلاف ما إذا اجاعها واجحفها واتعبها واشقاها وأضعفها حتى إذا ذبحها لا يجد بها لحما ولا دهنا فقال هذا مااعتدناه وربينا عليه فقال أن أعطاني الله سيادة مصر والامارة في هذا القطر لامنعن هذه الوقائع واجري فيه العدل ليكثر خيره وتعمر بلاده وترتاح أهله ويكون أحسن بلاد الله ولكن الإقليم المصري ليس له بخت ولا سعد وأهله تراهم مختلفين في الأجناس متنافوي القلوب منحرفي الطباع فلم يمض على هذا الكلام الا بقية الليل وساعات من النهار حتى أحاطوا به وفر هاربا و نجا بنفسه وجرى ما تقدم ذكره من اختفائه وظهوره وانتقاله إلى الجهة القبلية واجتماع الجيوش عليه وحكمت عليه الصورة التي ظهر فيها وحصل له ما حصل واخبرني من اجتمع عليه في البحيرة وسامره فقال يا فلان والله يخيل لي أن اقتل نفسي ولكن لاتهون علي وقد صرت الان واحدا بين ألوف من الأعداء وهؤلاء قومي وعشيرتي فعلوا بي ما فعلوا وتجنبوني وعادوني من غير جرم ولا ذنب سبق مني في حقهم واشقوني واشقوا أنفسهم وملكوا البلاد لأعدائي وأعدائهم وسعيت واجتهدت في مراضاتهم ومصالحتهم والنصح لهم فلم يزدهم ذلك الا نفورا وتباعدا عني ثم هذه الجنود ورئيسهم الذين ولجوا البلاد وذاقوا حلاوتها وشبعوا بعد جوعهم وترفهوا بعد ذلهم يجيشون علي ويحاربوني ويكيدوني ويقاتلوني ثم أن هؤلاء العربان المجتمعين علي اصانعهم واسوسهم واغاضبهم واراضيهم وكذلك جندي ومماليكي وكل منهم يطلب مني رياسة وامارة ويظنون بغفلتهم أن البلاد تحت حكمي ويظنون اني مقصر في حقهم فتارة أعاملهم باللطف وتارة ازجرهم بالعنف فانا بين الكل مثل الفريسة والجميع حولي مثل الكلاب الجياع يريدون نهشي واكلي وليس بيدي كنوز قارون فأنفق على هؤلاء
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»