في شئ وكان له معهم سياسة غريبة ومعرفة بأحوالهم وطبائعهم فكأنما هو مربي فيهم أو ابن خليفتهم أو صاحب رسالتهم يقومون ويقعدون لامره مع أنه يصادرهم في أموالهم وجمالهم ومواشيهم ويحبسهم ويطلقهم ويقتل منهم ومع ذلك لاينفرون منه وقد تزوج كثيرا من بناتهم فالتي تعجبه يبقيها حتى يقضي وطره منها والتي لا توافق مزاجه يسرحها إلى أهلها ولم يبق في عصمته غير واحدة وهي التي أعجبته فمات عنها فلما بلغ العرب موته اجتمعت بنات العرب وصرن يندبنه بكلام عجيب تناقلته أرباب المغاني يغنون به على آلات اللهو المطربة وركبوا عليه أدوارا وقوافي وغير ذلك والعجب منه رحمه الله انه لما كان في دولتهم السابقة وينزل في كل سنة إلى شرقية بلبيس ويتحكم في عربانها ويسومهم العذاب بالقبض عليهم ووضعهم في الزناجير ويتعاون على البعض منهم بالبعض الآخر ويأخذ منهم الأموال والخيول والاباعر والأغنام ويفرض عليهم الفرض الزائدة ويمنعهم من التسلط على فلاحي البلاد ثم إنه لما رجع من بلاد الانكليز وتعصب عليه البرديسي والعسكر وأحاطوا به من كل جانب فاختفى منهم وهرب إلى الوادي عند عشيبة البدوي فآواه وأخفاه وكتم امره والبرديسي ومن معه يبالغون في الفحص والتفتيش وبذل الأموال والرغائب لمن يدل عليه أو يآتي به فلم يطمعوا في شئ من ذلك ولم يفشوا سره وقيدوا بالطرق الموصلة له انفارا منهم تحرس الطريق من طارق يأتي على حين غفلة وهذا من العجائب حتى كان كثير من الناس يقولون إنه يسخرهم أو معه سر يسخرهم به فلما مات تفرق الجميع ولم يجتمعوا على أحد بعده وذهبوا إلى أماكنهم وبعضهم طلب من الباشا الأمان واما مماليكه واتباعه فلم يفلحوا بعده وذهبوا إلى الامراء القبليين فوجدوا طباعهم متنافرة عنهم ولم يحصل بينهم التئام ولا صفا كدر الفريقين من الآخر فانعزلوا عنهم إلى أن جرى ما جرى من صلحهم مع الباشا وأوقع بهم ما سيتلى عليك بعد أن شاء الله تعالى وبعد موت المترجم بنحوا الأربعين يوما وصلت نجدة الانكليز
(١٦٩)