قدوم الجالنوس ولما سمع به أبو عبيد سار إليه على تعبيته فانهزم الجالنوس وهرب ورجع أبو عبيد فنزل الحيرة وقد كان عمر قال له انك تقدم على ارض المكر والخديعة والخيانة والخزي تقدم على قوم تجروا على الشر فعلموه وتناسوا الخير فجهلوه فانظر كيف تكون واحرز لسانك ولا تفش سرك فان صاحب السر ما ضبط متحصن لا يؤتى من وجه يكرهه وإذا ضيعه كان بمضيعة ولما رجع الجالنوس إلى رستم بعث بهمن حادويه ذا الحاجب إلى الحيرة فأقبل ومعه درفش كابيان راية كسرى عرض ثمانية أذرع في طول اثنى عشر من جلود النمر فنزل في الناطف على الفرات وأقبل أبو عبيد فنزل عدوته وقعد إلى أن نصبوا للفريقين جسرا على الفرات وخيرهم بهمن حادويه في عبوره أو عبورهم فاختار أبو عبيد العبور وأجاز إليهم وماجت الأرض بالمقاتلة ونفرت خيول المسلمين وكراديسهم من الفيلة وأمر بالتخفيف عن الخيل فترجل أبو عبيد والناس وصافحوا العدو بالسيوف ودافعتهم الفيلة فقطعوا وضنها فسقطت رحالها وقتل من كان عليها وقابل أبو عبيد فيلا منهم فوطئه بيده وقام عليه فأهلكه وقاتلهم الناس ثم انهزموا عن المثنى وسبقه بعض المسلمين إلى الجسر فقطعه وقال موتوا أو تظفروا وتواثب بعضهم الفرات فغرقوا وأقام المثنى وناس معه مثل عروة بن زيد الخيل وأبى محجن الثقفي وأنظارهم وقاتل أبو زيد الطائي كان نصرانيا قدم الحيرة لبعض أمره فحضر مع المثنى وقاتل حينئذ حمية ونادى المثنى الذين عبروا من المسلمين فعقدوا الجسر وأجاز بالناس وكان آخر من قتل عند الجسر سليط بن قيس فانفض أصحابه إلى المدينة وبقي المثنى في فله جريحا وبلغ الخبر إلى عمر فشق عليه وعذر المنهزمين وهلك من المسلمين يومئذ أربعة آلاف قتلى وغرقى وهرب ألفان وبقيت ثلاثة آلاف وبينما بهمن حادويه يروم العبور خلف المسلمين أتاه الخبر بأن الفرس ثاروا برستم مع الفيرزان فرجع إلى المدائن وكانت الوقعة في مدائن سنة ثلاث عشرة ولما رجع بهمن حادويه اتبعه جابان ومعه مردارشاه وخرج المثنى في أثرهما فلما أشرف عليهما أتياه يظنان انه هارب فأخذهما أسيرين وخرج أهل الليس على أصحابهما فأتوه بهم أسرى وعقدوا معه مهادنة وقتل جميع الأسرى (ولما) بلغ عمر رضي الله عنه وقعة بنت أبي عبيد بالجسر ندب الناس إلى المثنى وكان فيمن ندب بجيلة وأمرهم إلى جرير بن عبد الله لأنه الذي جمعهم من القبائل بعد أن كانوا مفترقين ووعده النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وشغل عن ذلك أبو بكر بأمر الردة ووفى له عمر به وسيره مددا للمثنى بالعراق وبعث عصمة بن عبد الله الضبي وكتب إلى أهل الردة بأن يوافوا المثنى وبعث المثنى الرسل فيمن يليه من العرب فوافوا في جموع عظيمة حتى نصارى النمر جاؤوه وعليهم أنس بن
(٨٩)