تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ٢ق٢ - الصفحة ١٤٩
البطرك أبا والقسوس يسمون الأساقفة أبا فوقع الاشتراك في اسم الأب فاخترع اسم البابا لبطرك الإسكندرية ليتميز عن الأسقف في اصطلاح القسوس ومعناه أبو الاباء فاشتهر هذا الاسم ثم انتقل إلى بطرك رومة لأنه صاحب كرسي بطرس كبير الحواريين ورسول المسيح وأقام على ذلك لهذا العهد يسمى البابا ثم جاء بعد فلوديش قيصر نيرون قيصر فقتل بطرس كبير الحواريين وبولص اللذين بعثهما عيسى صلوات الله عليه إلى رومة وجعل مكان بطرس أرنوس برومة وقتل مرقص الإنجيلي تلميذ بطرس وكان بالإسكندرية يدعو إلى الدين سبع سنين ويبعثه في نواحي مصر وبرقة والمغرب وقتله نيرون وولى بعده حنينيا وهو أول البطاركة عليها بعد الحواريين وثار اليهود في دولته على أسقف بيت المقدس وهو يعقوب النجار وهدموا البيعة ودفنوا الصليب إلى أن أظهرته هيلانة أم قسطنطين كما نذكره بعد وجعل نيرون مكان يعقوب النجار ابن عمه شمعون بن كيافا ثم اختلفت حال القياصرة من بعد ذلك في الاخذ بهذا الدين وتركه كما يأتي في أخبارهم إلى أن جاء قسطنطين بن قسطنطين باني المدينة المشهورة وكانت في مكانها قبله مدينة صغيرة تسمى بيزنطية وكانت أم هيلانه صالحة فأخذت بدين المسيح لثنتين وعشرين سنة من ملك قسطنطين ابنها وجاءت إلى مكان الصليب فوقفت عليه وترحمت وسألت عن الخشبة التي صلب عليها بزعمهم فأخبرت بما فعل اليهود فيها وانهم دفنوها وجعلوا مكانها مطرحا للقمامة والنجاسة والجيف والقاذورات فاستعظمت ذلك واستخرجت تلك الخشبة التي صلب عليها بزعمهم وقيل من علامتها أن يمسها ذو العاهة فيعافى لوقته فطهرتها وطيبتها وغشتها بالذهب والحرير ورفعتها عندها للتبرك بها وأمرت ببناء كنيسة هائلة بمكان الخشبة تزعم أنها قبره وهي التي تسمى لهذا العهد قمامة وخربت مسجد بنى إسرائيل وأمرت بان تلقى القاذورات والكناسات على الصخرة التي كانت عليها القبة التي هي قبلة اليهود إلى أن أزال ذلك عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه عند فتح بيت المقدس كما نذكره هنالك وكان من ميلاد المسيح إلى وجود الصليب ثلثمائة وثمان وعشرون سنة وأقام هؤلاء النصرانية بطاركتهم وأساقفتهم على إقامة دين المسيح على ما وضعه الحواريون من القوانين والعقائد والاحكام ثم حدث بينهم اختلاف في العقائد وسائر ما ذهبوا إليه من الايمان بالله وصفاته وحاش لله وللمسيح وللحواريين أن يذهبوا إليه وهو معتقدهم التثليث وانما حملهم عليه ظواهر من كلام المسيح في الإنجيل لم يهتدوا إلى تأويلها ولا وقفوا على فهم معانيها مثل قول المسيح حين صلب بزعمهم أذهب إلى أبي وأبيكم وقال افعلوا كذا وكذا من البر لتكونوا أبناء أبيكم في السماء وتكونوا تامين كما إن أباكم الذي في السماء تام وقال له في الإنجيل انك أنت
(١٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»