تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ٢ق١ - الصفحة ٦٤
بسهم فصك الياقوتة بين عينيه وتغلغل في دماغه وتنكس عن دابته وداروا به فحمل القوم عليهم وانهزم الحبشة في كل وجه وأقبل وهزر إلى صنعاء ولما أتى بابها قال لا تدخل رايتي منكوسة فهدم الباب ودخل ناصبا رايته فملك اليمن ونفى عنها الحبشة وكتب بذلك إلى كسرى وبعث إليه بالأموال فكتب إليه أن يملك سيف بن ذي يزن على اليمن على فريضة يؤديها كل عام ففعل وانصرف وهزر إلى كسرى وملك سيف اليمن وكان أبوه من ملوكها وخلف وهزر نائبا على اليمن في جماعة من الفرس ضمهم إليه وجعله لنظر ابن ذي يزن وأنزله بصنعاء وانفرد ابن ذي يزن بسلطانه ونزل قصر الملك وهو رأس غمدان يقال ان الضحاك بناه على اسم الزهرة وهو أحد البيوت السبعة الموضوعة على أسماء الكواكب وروحانيتها خرب في خلافة عثمان قاله المسعودي وقال السهيلي كانت صنعاء تسمى أوال وصنعاء اسم بانيها صنعاء بن أوال بن عمير بن عابر بن شالخ ولما استقل ابن ذي يزن بملك اليمن وفدت العرب عليه يهنوه بالملك ولما رجع من سلطان قومه وأباد من عدوهم وكان فيمن وفد عليه مشيخة قريش وعظماء العرب لعهدهم من أبناء إسماعيل وأهل بيتهم المنصوب لحجهم فوفدوا في عشرة من رؤسائهم فيهم عبد المطلب فأعظمهم سيف وأجلهم وأوجب لهم حقهم ووفر من ذلك قسم عبد المطلب من بينهم وسأله عن بنيه حتى ذكر له شأن النبي صلى الله عليه وسلم وكفلته إياه بعد موت عبد الله أبيه عاشر ولد عبد المطلب فأوصاه به وحضه على الابلاغ في القيام عليه والتحفظ به من اليهود وغيرهم وأسر إليه البشرى بنبوته وظهور قريش قومهم على جميع العرب وأسنى جوائز هذا الوفد بما يدل على شرف الدولة وعظمها لبعد غايتها في الهمة وعلو نظرها في كرامة الوفد وبقاء آثار الترف في الصبابة شاهد لشرافة الحال في الأول ذكر صاحب الاعلام وغيره أنه أجاز سائر الوفد بمائة من الإبل وعشرة أعبد وعشرة وصائف وعشرة أرطال من الورق والذهب وكرش ملئ من العنبر واضعاف ذلك بعشرة أمثاله لعبد المطلب (قال ابن إسحاق) ولما انصرف وهزر إلى كسرى غزا سيف على الحبشة وجعل يقتل ويبقر بطون النساء حتى إذا لم يبق الا القليل جعلهم خولا واتخذ منهم طوابير يسعون بين يديه بالحراب وعظم خوفهم منه فخرج يوما وهم يسعون بين يديه فلما توسطهم وقد انفردوا به عن الناس رموه بالحراب فقتلوه ووثب رجل منهم على الملك وقيل ركب خليفة وهزر فيمن معه من المسلحة واستلحم الحبشة وبلغ ذلك كسرى فبعث وهزر في أربعة آلاف من الفرس وأمره بقتل كل أسود أو منتسب إلى أسود ولو جعدا قططا ففعل وقتل الحبشة حيث كانوا وكتب بذلك إلى كسرى فأمره على اليمن فكان يجبيه له حتى هلك واستضافت حشاية
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 68 69 70 ... » »»