تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ٢ق١ - الصفحة ٦٠
قال هشام بن محمد الكلبي في سبب غزو ذي نواس أهل نجران أن يهوديا كان بنجران فعدا أهلها على ابنين له فقتلوهما ظلما فرفع أمره إلى ذي نواس وتوسل له باليهودية واستنصره على أهل نجران وهم نصارى فحمى له ولدينه وغزاهم ولما أفلت دوس ذو ثعلبان فقدم على قيصر صاحب الروم يستنصره على ذي نواس وأعلمه بما ركب منهم وأراه الإنجيل قد احترق بعضه بالنار فكتب له إلى النجاشي يأمره بنصره وطلب بثاره وبعث معه النجاشي سبعين ألفا من الحبشة وقيل إن صريخ دوس كان أو لا للنجاشي وانه اعتذر إليه بقلة السفن لركوب البحر وكتب إلى قيصر وبعث إليه بالإنجيل المحرق فجاءته السفن وأجاز فيها العساكر من الحبشة وأمر عليهم أرباطا رجلا منهم وعهد إليه بقتلهم وسبيهم وخراب بلادهم فخرج أرباط لذلك ومعه أبرهة الأشرم فركبوا البحر ونزلوا ساحل اليمن وجمع ذو نواس حمير ومن أطاعه من أهل اليمن على افتراق واختلاف في الأهواء فلم يكن كبير حرب وانهزموا فلما رأى ذو نواس ما نزل به وبقومه وجه بفرسه إلى البحر ثم ضربه فدخل فيه وخاض ضحضاح البحر ثم أفضى به إلى غمرة فأقحمه فيه فكان آخر العهد به ووطئ أرباط ليمن بالحبشة وبعث إلى النجاشي بثلث السبى كما عهد له ثم أقام بها فضبطها وأذل رجالات حمير وهدم حصون الملك بها مثل سلجيق وسون وغمدان وقال ذو يزن يرثى حمير وقصور الملك باليمن هونك ليس يرد الدمع ما فاتا * لا تهلكن أسفا في اثر من ماتا - أبعد سون فلا عين ولا أثر * وبعد سلجيق يبنى الناس أبياتا - وفي رواية هشام بن محمد الكلبي أن السفن قدمت على النجاشي من قيصر فحمل فيها الحبش ونزلوا بساحل اليمن واستجاش ذو نواس باقيال حمير فامتنعوا من صريخه وقالوا كل أحد يقاتل عن ناحيته فألقى ذو نواس باليد ولم يكن قتال وأنه سار بهم إلى صنعاء وبعث عماله في النواحي لقبض الأموال وعهد بقتلهم في كل ناحية فقتلوا وبلغ ذلك النجاشي فجهز إلى اليمن سبعين ألفا وعليهم أبرهة فبلغوا صنعاء وهرب ذو نواس واعترض البحر فكان آخر العهد به وملك أبرهة اليمن ولم يبعث إلى النجاشي بشئ وذكر له أنه خلع طاعته فوجه جيشا من أصحابه عليهم أرباط ولما حل بساحته دعاه إلى النصفة والنزال فتبارزا وخدعه أبرهة واكمن عبدا له في موضع المبارزة فلما التقيا ضربه أرباط فشرم أنفه وسمى الأشرم وخالفه العبد من الكمين فضرب أرباطا فأنفذه وبلغ النجاشي خبر أرباط فحلف ليريقن دمه ثم كتب إليه أبرهة واسترضاه فرضى عليه وأقره على عمله وقال ابن إسحاق ان أرباط هو الذي قدم اليمن أولا وملكه وانتقض عليه أبرهة من بعد ذلك فكان ما ذكرنا من الحرب بينهما وقتل أرباط وغضب
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»