تحدث للدولة بالطبع وأنها كلها أمور طبيعية لها وإذا كان الهرم طبيعيا في الدولة كان حدوثه بمثابة حدوث الأمور الطبيعية كما يحدث الهرم في المزاج الحيواني والهرم من الأمراض المزمنة التي لا يمكن دواؤها ولا ارتفاعها لما أنه طبيعي والأمور الطبيعية لا تتبدل وقد يتنبه كثير من أهل الدول ممن له يقظة في السياسة فيرى ما نزل بدولتهم من عوارض الهرم ويظن أنه ممكن الارتفاع فيأخذ نفسه بتلافي الدولة وإصلاح مزاجها عن ذلك الهرم ويحسبه أنه لحقها بتقصير من قبله من أهل الدولة وغفلتهم وليس كذلك فإنها أمور طبيعية للدولة والعوائد هي المانعة له من تلافيها والعوائد منزلة طبيعية أخرى فإن من أدرك مثلا أباه وأكثر أهل بيته يلبسون الحرير والديباج ويتحلون بالذهب في السلاح والمراكب ويحتجبون عن الناس في المجالس والصلوات فلا يمكنه مخالفة سلفه في ذلك إلى الخشونة في اللباس والزي والاختلاط بالناس إذ العوائد حينئذ تمنعه وتقبح عليه مرتكبه ولو فعله لرمي بالجنون والوسواس في الخروج عن العوائد دفعة وخشي عليه عائدة ذلك وعاقبته في سلطانه وانظر شأن الأنبياء في إنكار العوائد ومخالفتها لولا التأييد الإلهي والنصر السماوي وربما تكون العصبية قد ذهبت فتكون الأبهة تعوض عن موقعها من النفوس فإذا أزيلت تلك الأبهة مع ضعف العصبية تجاسرت الرعايا على الدولة بذهاب أوهام الأبهة فتتدرع الدولة بتلك الأبهة ما أمكنها حتى ينقضي الامر وربما يحدث عند آخر الدولة قوة توهم أن الهرم قد ارتفع عنها ويومض ذبالها إيماضة الخمود كما يقع في الذبال المشتعل فإنه عند مقاربة انطفائه يومض إيماضة توهم أنها اشتعال وهي انطفاء فاعتبر ذلك ولا تغفل سر الله تعالى وحكمته في اطراد وجوده على ما قدر فيه ولكل أجل كتاب الفصل السابع والأربعون في كيفية طروق الخلل للدولة إعلم أن مبنى الملك على أساسين لا بد منهما فالأول الشوكة والعصبية وهو المعبر عنه بالجند والثاني المال الذي هو قوام أولئك الجند وإقامة ما يحتاج إليه الملك من الأحوال والخلل إذا طرق الدولة طرقها في هذين الأساسين فلنذكر أولا طروق
(٢٩٤)