الغالب إلا أواخر الدولة كما قدمناه في الحجر ويكون دليلا على هرم الدولة ونفاد قوتها وهو مما يخشاه أهل الدول على أنفسهم لان القائمين بالدولة يحاولون على ذلك بطباعهم عند هرم الدولة وذهاب الاستبداد من أعقاب ملوكهم لما ركب في النفوس من محبة الاستبداد بالملك وخصوصا مع الترشيح لذلك وحصول دواعيه ومباديه الفصل الخامس والأربعون في انقسام الدولة الواحدة بدولتين إعلم أن أول ما يقع من آثار الهرم من الدولة انقسامها وذلك أن الملك عند ما يستفحل ويبلغ من أحوال الترف والنعيم إلى غايتها ويستبد صاحب الدولة بالمجد وينفرد به ويأنف حينئذ عن المشاركة ويصير إلى قطع أسبابها ما استطاع باهلاك من استراب به من ذوي قرابته المرشحين لمنصبه فربما ارتاب المساهمون له في ذلك بأنفسهم ونزعوا إلى القاصية إليهم من يلحق بهم مثل حالهم من الاغترار والاسترابة ويكون نطاق الدولة قد أخذ في التضايق ورجع عن القاصية فيستبد ذلك النازع من القرابة فيها ولا يزال أمره يعظم بتراجع نطاق الدولة حتى يقاسم الدولة أو يكاد وانظر ذلك في الدولة الاسلامية العربية حين كان أمرها حريزا مجتمعا ونطاقا ممتدا في الاتساع وعصبية بني عبد مناف واحدة غالبة على سائر مضر فلم ينبض عرق من الخلافة سائر أيامه إلا ما كان من بدعة الخوارج المستميتين في شان بدعتهم لم يكن ذلك لنزعة ملك ولا رئاسة ولم يتم أمرهم لمزاحمتهم العصبية القوية ثم لما خرج الامر من بني أمية واستقل بنو العباس بالأمر وكانت الدولة العربية قد بلغت الغاية من الغلب والترف وآذنت بالتقلص عن القاصية نزع عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس قاصية دولة الاسلام فاستحدث بها ملكا واقتطعها عن دولتهم وصير الدولة دولتين ثم نزع إدريس إلى المغرب وخرج به وقام بامره وأمر ابنه من بعده البرابرة من أوربا ومغيلة وزناتة واستولى على ناحية المغربين ثم ازدادت الدولة تقلصا فاضطرب الأغالبة في الامتناع عليهم ثم خرج الشيعة وقام بأمرهم كتامة وصنهاجة واستولوا على أفريقية والمغرب ثم مصر والشام والحجاز وغلبوا على الأدارسة وقسموا الدولة دولتين أخريين وصارت الدولة العربية ثلاث دول دولة بني العباس
(٢٩٢)