تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٢٤٧
بعلامة الرئيس عليه يستدل بها فيكتب صورة علامته المعهودة والحكم لعلامة ذلك الرئيس كما وقع آخر الدولة الحفصية لما ارتفع شأن الحجابة وصار أمرها إلى التفويض ثم الاستبداد صار حكم العلامة التي للكاتب ملغى وصورتها ثابتة اتباعا لما سلف من أمرها فصار الحاجب يرسم للكاتب إمضاء كتابه ذلك بخط يصنعه ويتخير له من صيغ الانفاذ ما شاء فيأتمر الكاتب له ويضع العلامة المعتادة وقد يختص السلطان لنفسه بوضع ذلك إذا كان كان مستبدا بأمره قائما على نفسه فيرسم الامر للكاتب ليضع علامته * ومن خطط الكتابة التوقيع وهو أن يجلس الكاتب بين يدي السلطان في مجالس حكمه وفصله ويوقع على القصص المرفوعة إليه أحكامها والفصل فيها متلقاة من السلطان بأوجز لفظ وأبلغه فإما أن تصدر كذلك وإما أن يحذو الكتاب على مثالها في سجل يكون بيد صاحب القصة ويحتاج الموقع إلى عارضة من البلاغة يستقيم بها توقيعه وقد كان جعفر بن يحيى يوقع في القصص بين يدي الرشيد ويرمي بالقصة إلى صاحبها فكانت توقيعاته يتنافس البلغاء في تحصيلها للوقوف فيها على أساليب البلاغة وفنونها حتى قيل إنها كانت تباع كل قصة منها بدينار وهكذا كان شأن الدول * واعلم أن صاحب هذه الخطة لا بد من أن يتخير أرفع طبقات الناس وأهل المروءة والحشمة منهم وزيادة العلم وعارضة البلاغة فإنه معرض للنظر في أصول العلم لما يعرض في مجالس الملوك ومقاصد أحكامهم من أمثال ذلك ما تدعوا إليه عشرة الملوك من القيام على الآداب والتخلق بالفضائل مع ما يضطر إليه في الترسيل وتطبيق مقاصد الكلام من البلاغة وأسرارها وقد تكون الرتبة في بعض الدول مستندة إلى أرباب السيوف لما يقتضيه طبع الدولة من البعد عن معاناة العلوم لاجل سذاجة العصبية فيختص السلطان أهل عصبيته بخطط دولته وسائر رتبه فيقلد المال والسيف والكتابة منهم فاما رتبة السيف فتستغني عن معاناة العلم وأما المال والكتابة فيضطر إلى ذلك البلاغة في هذه والحسبان في الأخرى فيختارون لها من هذه الطبقة ما دعت إليه الضرورة ويقلدونه إلا أنه لا تكون يد آخر من أهل العصبية غالبة على يده ويكون نظره منصرفا عن نظره كما هو في دولة الترك لهذا العهد بالمشرق فإن الكتابة عندهم وإن كانت لصاحب الانشاء إلا أنه تحت يد أمير من أهل
(٢٤٧)
مفاتيح البحث: جعفر بن يحيى (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 ... » »»