تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٢٤٦
منها هذا المخصوص باسم الوزير وهو مع ذلك رديف لمولى من موالي السلطان وأهل عصبيته وأرباب السيوف في الدولة يرجع نظر الوزير إلى نظره ويجتهد جهده في متابعته ويسمى عندهم أستاذ الدولة وهو أحد الأمراء الأكابر في الدولة من الجند وأرباب السيوف ويتبع هذه الخطة خطط عندهم أخرى كلها راجعة إلى الأموال والحسبان مقصورة النظر إلى أمور خاصة مثل ناظر الخاص وهو المباشر لأموال السلطان الخاصة به من إقطاعاته أو سهمانه من أموال الخراج وبلاد الجباية مما ليس من أموال المسلمين العامة وهو تحت يد الأمير أستاذ الدار وإن كان الوزير من الجند فلا يكون لأستاذ الدار نظر عليه ونظر الخاص تحت يد الخازن لأموال السلطان من مماليكه المسمى خازن الدار لاختصاص وظيفتهما بمال السلطان الخاص. هذا بيان هذه الخطة بدولة الترك بالمشرق بعدما قدمناه من أمرها بالمغرب والله مصرف الأمور لا رب غيره ديوان الرسائل والكتابة هذه الوظيفة غير ضرورية في الملك لاستغناء كثير من الدول عنها رأسا كما في الدول العريقة في البداوة التي لم يأخذها تهذيب الحضارة ولا استحكام الصنائع وإنما أكد الحاجة إليها في الدولة الاسلامية شأن اللسان العربي والبلاغة في العبارة عن المقاصد فصار الكتاب يؤدي كنه الحاجة بأبلغ من العبارة اللسانية في الأكثر وكان الكاتب للأمير يكون من أهل نسبه ومن عظماء قبيله كما كان للخلفاء وأمراء الصحابة بالشام والعراق لعظم أمانتهم وخلوص أسرارهم فلما فسد اللسان وصار صناعة اختص بمن يحسنه وكانت عند بني العباس رفيعة وكان الكاتب يصدر السجلات مطلقة ويكتب في آخرها اسمه ويختم عليها بخاتم السلطان وهو طابع منقوش فيه اسم السلطان أو شارته يغمس في طين أحمر مذاب بالماء ويسمى طين الختم ويطبع به على طرفي السجل عند طيه وإلصاقه ثم صارت السجلات من بعدهم تصدر باسم السلطان ويضع الكاتب فيها علامته أولا أو آخرا على حسب الاختيار في محلها وفي لفظها ثم قد تنزل هذه الخطة بارتفاع المكان عند السلطان لغير صاحبها من أهل المراتب في الدولة أو استبداد وزير عليه فتصير علامة هذا الكتاب ملغاة الحكم
(٢٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 ... » »»