الفصل الثاني والثلاثون في اللقب بأمير المؤمنين وانه من سمات الخلافة وهو محدث منذ عهد الخلفاء وذلك أنه لما بويع أبو بكر رضي الله عنه وكان الصحابة رضي الله عنهم وسائر المسلمين يسمونه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يزل الامر على ذلك إلى أن هلك فلما بويع لعمر بعهده إليه كانوا يدعونه خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنهم استثقلوا هذا اللقب بكثرته وطول إضافته وأنه يتزايد فيما بعد دائما إلى أن ينتهي إلى الهجنة ويذهب منه التمييز بتعدد الإضافات وكثرتها فلا يعرف فكانوا يعدلون عن هذا اللقب إلى ما سواه مما يناسبه ويدعى به مثله وكانوا يسمون قواد البعوث باسم الأمير وهو فعيل من الامارة وقد كان الجاهلية يدعون النبي صلى الله عليه وسلم أمير مكة وأمير الحجاز وكان الصحابة أيضا يدعون سعد بن أبي وقاص أمير المؤمنين لإمارته على جيش القادسية وهم معظم المسلمين يومئذ واتفق أن دعا بعض الصحابة عمر رضي الله عنه يا أمير المؤمنين فاستحسنه الناس واستصوبوه ودعوه به يقال إن أول من دعاه بذلك عبد الله بن جحش وقيل عمر بن العاص والمغيرة بن شعبة وقيل بريد جاء بالفتح من بعض البعوث ودخل المدينة وهو يسأل عن عمر ويقول أين أمير المؤمنين وسمعها أصحابه فاستحسنوه وقالوا أصبت والله اسمه إنه والله أمير المؤمنين حقا فدعوه بذلك وذهب لقبا له في الناس وتوارثه الخلفاء من بعده سمة لا يشاركهم فيها أحد سواهم إلا سائر دولة بني أمية ثم إن الشيعة خصوا عليا باسم الامام نعتا له بالإمامة التي هي أخت الخلافة وتعريضا بمذهبهم في أنه أحق بإمامة الصلاة من أبي بكر لما هو مذهبهم وبدعتهم فخصوه بهذا اللقب ولمن يسوقون إليه منصب الخلافة من بعده فكانوا كلهم يسمون بالامام ما داموا يدعون لهم في الخلفاء حتى إذا يستولون على الدولة يحولون اللقب فيما بعده إلى أمير المؤمنين كما فعله شيعة بني العباس فإنهم ما زالوا يدعون أئمتهم بالامام إلى إبراهيم الذي جهروا بالدعاء له وعقدوا الرايات للحرب على أمره فلما هلك دعي أخوه السفاح بأمير المؤمنين وكذا الرافضة بأفريقيا فإنهم ما زالوا يدعون أئمتهم من ولد إسماعيل بالامام حتى
(٢٢٧)