تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٢٢٣
ذلك من توابع وظيفة ولايته واستقر الامر لهذا العهد على ذلك وخرجت هذه الوظيفة عن أهل عصبية الدولة لان الامر لما كان خلافة دينية وهذه الخطة من مراسم الدين فكانوا لا يولون فيها إلا من أهل عصبيتهم من العرب ومواليهم بالحلف أو بالرق أو بالاصطناع ممن يوثق بكفايته أو غنائه فيما يدفع إليه * ولا انقرض شان الخلافة وطورها وصار الامر كله ملكا أو سلطانا صارت هذه الخطط الدينية بعيدة عنه بعض الشئ لأنها ليست من ألقاب الملك ولا مراسمه ثم خرج الامر جملة من العرب وصار الملك لسواهم من أمم الترك والبربر فازدادت هذه الخطط الخلافية بعدا عنهم بمنحاها وعصبيتها وذلك أن العرب كانوا يرون أن الشريعة دينهم وأن النبي صلى الله عليه وسلم منهم وأحكامه وشرائعه نحلتهم بين الأمم وطريقهم وغيرهم لا يرون ذلك إنما يولونها جانبا من التعظيم لما دانوا بالملة فقط فصاروا يقلدونها من غير عصابتهم ممن كان تأهل لها في دول الخلفاء السالفة وكان أولئك المتأهلون بما أخذهم ترف الدول منذ مئين من السنين قد نسوا عهد البداوة وخشونتها والتبسوا بالحضارة في عوائد ترفهم ودعتهم وقلة الممانعة عن أنفسهم وصارت هذه الخطط في الدول الملوكية من بعد الخلفاء مختصة بهذا الصنف من المستضعفين في أهل الأمصار ونزل أهلها عن مراتب العز لفقد الأهلية بأنسابهم وما عليه من الحضارة فلحقهم من الاحتقار ما لحق الحضر المنغمسين في الترف والدعة البعداء عن عصبية الملك الذين هم عيال على الحامية وصار اعتبارهم في الدولة من أجل قيامها بالملة وأخذها باحكام الشريعة لما أنهم الحاملون للاحكام المقتدون بها ولم يكن إيثارهم في الدولة حينئذ إكراما لذواتهم وإنما هو لما يتلمج من التجمل بمكانهم في مجالس الملك لتعظيم الرتب الشرعية ولم يكن لهم فيها من الحل والعقد شئ وإن حضروه فحضور رسمي لا حقيقة وراءه إلى حقيقة الحل والعقد إنما هي لأهل القدرة عليه فمن لا قدرة له عليه فلا حل له ولا عقد لديه اللهم إلا أخذ الأحكام الشرعية عنهم وتلقي الفتاوى منهم فنعم والله الموفق وربما يظن بعض الناس أن الحق فيما وراء ذلك وأن فعل الملوك فيما فعلوه من اخراج الفقهاء والقضاة من الشورى مرجوح وقد قال صلى الله عليه وسلم العلماء ورثة الأنبياء فاعلم أن
(٢٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 ... » »»