تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٢٢٨
انتهى الامر إلى عبيد الله المهدي وكانوا أيضا يدعونه بالامام ولابنه أبي القاسم من بعده فلما استوثق لهم الامر دعوا من بعدهما بأمير المؤمنين وكذا الا دارسة بالمغرب كانوا يلقبون إدريس بالامام وابنه إدريس الأصغر كذلك وهكذا شأنهم وتوارث الخلفاء هذا اللقب بأمير المؤمنين وجعلوه سمة لمن يملك الحجاز والشام والعراق والمواطن التي هي ديار العرب ومراكز الدولة وأهل الملة والفتح وازداد لذلك في عنفوان الدولة وبذخها لقب آخر للخفاء يتميز به بعضهم عن بعض لما في أمير المؤمنين من الاشتراك بينهم فاستحدث لذلك بنو العباس حجابا لأسمائهم الاعلام عن امتهانها في ألسنة السوقة وصونا لها عن الابتذال فتلقبوا بالسفاح والمنصور والمهدي والهادي والرشيد إلى آخر الدولة واقتفى أثرهم في ذلك العبيديون بأفريقية ومصر وتجافى بنو أمية عن ذلك بالمشرق قبلهم مع الغضاضة والسذاجة لان العروبية ومنازعها لم تفارقهم حينئذ ولم يتحول عنهم شعار البداوة إلى شعار الحضارة وأما بالأندلس فتلقبوا كسلفهم مع ما عملوه من أنفسهم من القصور عن ذلك بالقصور عن ملك الحجاز أصل العرب والملة والبعد عن دار الخلافة التي هي مركز العصبية وأنهم إنما منعوا بإمارة القاصية أنفسهم من مهالك بني العباس حتى إذا جاء عبد الرحمن الداخل الاخر منهم وهو الناصر بن محمد ابن الأمير عبد الله بن محمد ابن عبد الرحمن الأوسط لأول المائة الرابعة واشتهر ما نال الخلافة بالمشرق من الحجر واستبداد الموالي وعيثهم في الخلفاء بالعزل والاستبدال والقتل والسمل ذهب عبد الرحمن هذا إلى مثل مذاهب الخلفاء بالمشرق وأفريقية وتسمى بأمير المؤمنين وتلقب بالناصر لدين الله وأخذت من بعده عادة ومذهب لقن عنه ولم يكن لابائه وسلف قومه واستمر الحال على ذلك إلى أن انقرضت عصبية العرب أجمع وذهب رسم الخلافة وتغلب الموالي من العجم على بني العباس والصنائع على العبيديين بالقاهرة وصنهاجة على أمراء أفريقية وزناتة على المغرب وملوك الطوائف بالأندلس على أمر بني أمية واقتسموه وافترق أمر الاسلام فاختلفت مذاهب الملوك بالمغرب والمشرق في الاختصاص بالألقاب بعد أن تسموا جميعا باسم السلطان. فأما ملوك المشرق من العجم فكان الخلفاء يخصونهم بألقاب
(٢٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 ... » »»