تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٢١٨
لا يقاومون بني أمية في جاهلية ولا إسلام والقول بتعين الخطاء في جهة معاوية مع علي لا سبيل إليه لان الاجماع هنالك قضى لنا به ولم نجده ها هنا. وأما يزيد فعين خطأه فسقه وعبد الملك صاحب ابن الزبير أعظم الناس عدالة وناهيك بعدالته احتجاج مالك بفعله وعدول ابن عباس وابن عمر إلى بيعته عن ابن الزبير لم تنعقد لأنه لم يحضرها أهل العقد والحل كبيعة مروان وابن الزبير علي خلاف ذلك والكل مجتهدون محمولون على الحق في الظاهر وإن لم يتعين في جهة منهما والقتل الذي نزل به بعد تقرير ما قررناه يجئ على قواعد الفقه وقوانينه مع أنه شهيد مثاب باعتبار قصده وتحريه الحق هذا هو الذي ينبغي أن تحمل عليه أفعال السلف من الصحابة والتابعين فهم خيار الأمة وإذا جعلناهم عرضة للقدح فمن الذي يختص بالعدالة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول خير الناس قرني ثم الذين يلونهم مرتين أو ثلاثا ثم يفشو الكذب فجعل الخيرة وهي العدالة مختصة بالقرن الأول والذي يليه فإياك أن تعود نفسك أو لسانك التعرض لاحد منهم ولا يشوش قلبك بالريب في شئ مما وقع منهم والتمس لهم مذاهب الحق وطرقه ما استطعت فهم أولى الناس بذلك وما اختلفوا إلا عن بينة وما قاتلوا أو قتلوا إلا في سبيل جهاد أو إظهار حق واعتقد مع ذلك أن اختلافهم رحمة لمن بعدهم من الأمة ليقتدي كل واحد بمن يختاره منهم ويجعله إمامه وهاديه ودليله فافهم ذلك وتبين حكمة الله في خلقه وأكوانه واعلم أنه على كل شئ قدير وإليه الملجأ والمصير والله تعالى أعلم الفصل الحادي والثلاثون في الخطط الدينية الخلافية لما تبين أن حقيقة الخلافة نيابة عن صاحب الشرع في حفظ الدين وسياسة الدنيا فصاحب الشرع متصرف في الامرين أما في الدين فبمقتضى التكاليف الشرعية الذي هو مأمور بتبليغها وحمل الناس عليها وأما سياسة الدنيا فبمقتضى رعايته لمصالحهم في العمران البشري وقد قدمنا أن هذا العمران ضروري للبشر وأن رعاية مصالحه كذلك لئلا يفسد إن أهملت وقدمنا أن الملك وسطوته كاف في حصول هذه المصالح نعم إنما تكون أكمل إذا كانت بالأحكام الشرعية لأنه أعلم بهذه
(٢١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 ... » »»