فلا نطول بذكرها ولقد كان الخلفاء الأولون لا يقلدونها لغيرهم من الناس وانظر من طعن من الخلفاء في المسجد عند الأذان بالصلاة وترصدهم لذلك في أوقاتها يشهد لك ذلك بمباشرتهم لها وأنهم لم يكونوا مستخلفين فيها وكذا كان رجال الدولة الأموية من بعدهم استئثارا بها واستعظاما لرتبتها يحكى عن عبد الملك أنه قال لحاجبه قد جعلت لك حجابة يأبى إلا عن ثلاثة صاحب الطعام فإنه يفسد بالتأخير والأذان بالصلاة فإنه داع إلى الله والبريد فان في تأخيره فساد القاصية فلما جاءت طبيعة الملك وعوارضه من الغلظة والترفع عن مساواة الناس في دينهم ودنياهم استنابوا في الصلاة فكانوا يستأثرون بها في الأحيان وفي الصلوات العامة كالعيدين والجمعة إشارة وتنويها فعل ذلك كثير من خلفاء بني العباس والعبيديين صدر دولتهم وأم الفتيا فللخليفة تصفح أهل العلم والتدريس ورد الفتيا إلى من هو أهل لها وإعانته على ذلك ومنع من ليس أهلا لها وزجره لأنها من مصالح المسلمين في أديانهم فتجب عليه مراعاتها لئلا يتعرض لذلك من ليس له باهل فيضل الناس وللمدرس الانتصاب لتعليم العلم وبثه والجلوس لذلك في المساجد فان كانت من المساجد العظام التي للسلطان الولاية عليها والنظر في أئمتها كما مر فلا بد من استئذانه في ذلك وإن كانت من مساجد العلامة فلا يتوقف ذلك على إذن على أنه ينبغي أن يكون لكل أحد من المفتين والمدرسين زاجر من نفسه يمنعه عن التصدي لما ليس له باهل فيضل به المستهدي ويضل به المسترشد وفي الأثر أجرأكم على الفتيا أجرأ كم على جراثيم جهنم فللسلطان فيهم لذلك من النظر ما توجبه المصلحة من إجازة أورد وأما القضاء فهو من الوظائف الداخلة تحت الخلافة لأنه منصب الفصل بين الناس في الخصومات حسما للتداعي وقطعا للتنازع إلا أنه بالأحكام الشرعية المتلقاة من الكتاب والسنة فكان لذلك من وظائف الخلافة ومندرجا في عمومها وكان الخلفاء في صدر الاسلام يباشرونه بأنفسهم ولا يجعلون القضاء إلى من سواهم وأول من دفعه إلى غيره وفوضه فيه عمر رضي الله عنه فولى أبا الدرداء معه بالمدينة وولى شريحا بالبصرة وولى أبا موسى الأشعري بالكوفة وكتب له في ذلك الكتاب المشهور الذي تدور عليه أحكام القضاة
(٢٢٠)