تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٢٢١
وهي مستوفاة فيه يقول أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة فافهم وإذا أدلي إليك فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له وآس بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك البينة على من ادعى واليمين على من أنكر والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا ولا يمنعك قضاء قضيته أمس فراجعت اليوم فيه عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق فان الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل الفهم فيما يتلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنة ثم اعرف الأمثال والأشباه وقس الأمور بنظائرها واجعل لمن ادعى حقا غائبا أو بينة أمدا ينتهي إليه فان أحضر بينته أخذت له بحقه وإلا استحللت القضاء عليه فان ذلك أنفى للشك وأجلى للعمى. المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد أو مجرى عليه شهادة زور أو ظنينا في نسب أو ولاء فان الله سبحانه عفا عن الايمان ودرأ بالبينات وإياك والقلق والضجر والتأفف بالخصوم فان استقرار الحق في مواطن الحق يعظم الله به الاجر ويحسن به الذكر والسلام. إنتهى كتاب عمر وإنما كانوا يقلدون القضاء لغيرهم وإن كان مما يتعلق بهم لقيامهم بالسياسة العامة وكثرة أشغالها من الجهاد والفتوحات وسد الثغور وحماية البيضة ولم يكن ذلك مما يقوم به غيرهم لعظم العناية فاستحقوا القضاء في الواقعات بين الناس واستخلفوا فيه من يقوم به تخفيفا على أنفسهم وكانوا مع ذلك إنما يقلدونه أهل عصبيتهم بالنسب أو الولاء ولا يقلدونه لمن بعد عنهم في ذلك وأما أحكام هذا المنصب وشروطه فمعروفة في كتب الفقه وخصوصا كتب الأحكام السلطانية إلا أن القاضي إنما كان له في عصر الخلفاء الفصل بين الخصوم فقط ثم دفع لهم بعد ذلك أمور أخرى على التدريج بحسب اشتغال الخلفاء والملوك بالسياسة الكبرى واستقر منصب القضاء آخر الامر على أنه يجمع مع الفصل بين الخصوم استيفاء بعض الحقوق العامة للمسلمين بالنظر في أموال المحجور عليهم من المجانين واليتامى والمفلسين وأهل السفه وفي وصايا المسلمين وأوقافهم وتزويج الأيامى عند فقد الأولياء على رأي من رآه والنظر في مصالح الطرقات والأبنية وتصفح الشهود والامناء والنواب واستيفاء
(٢٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 ... » »»