تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٢٠
عليه إسماعيل القاضي فقيل له ما كان يقال فيه فقال معاذ الله أن تزول عدالة مثله بتكذيب باغ وحاسد وقال أيضا يحيى بن أكثم أبرأ إلى الله من أن يكون فيه شئ مما كان يرمى به من أمر الغلمان ولقد كنت أقف على سرائره فأجده شديد الخوف من الله لكنه كانت فيه دعابة وحسن خلق فرمي بما رمي به ابن حبان في الثقات وقال لا يشتغل بما يحكى عنه لان أكثرها لا يصح عنه ومن أمثال هذه الحكايات ما نقله ابن عبد ربه صاحب العقد من حديث الزنبيل في سبب إصهار المأمون إلى الحسن بن سهل في بنته بوران وأنه عثر في بعض الليالي في تطوافه بسكك بغداد في زنبيل مدلى من بعض السطوح بمعالق وجدل مغارة الفتل من الحرير فاعتقده وتناول المعالق فاهتزت وذهب به صعدا إلى مجلس شأنه كذا ووصف من زينة فرشه وتنضيد أبنيته وجمال رؤيته ما يستوقف الطرف ويملك النفس وأن امرأة برزت له من خلل الستور في ذلك المجلس رائقة الجمال فتانة المحاسن فحيته ودعته إلى المنادمة فلم يزل يعاقرها الخمر حتى الصباح ورجع إلى أصحابه بمكانهم من انتظاره وقد شغفته حبا بعثه على الاصهار إلى أبيها وأين هذا كله من حال المأمون المعروفة في دينه وعلمه واقتفائه سنن الخلفاء الراشدين من آبائه وأخذه بسير الخلفاء الأربعة أركان الملة ومناظرته العلماء وحفظه لحدود الله تعالى في صلواته وأحكامه فكيف تصح عنه أحوال الفساق المستهترين (1) في التطواف بالليل وطروق المنازل وغشيان السمر سبيل عشاق الاعراب وأين ذلك من منصب ابنة الحسن بن سهل وشرفها وما كان بدار أبيها من الصون والعفاف وأمثال هذه الحكايات كثيرة وفي كتب المؤرخين معروفة وإنما يبعث على وضعها والحديث بها الانهماك في اللذات المحرمة وهتك قناع المخدرات ويتعللون بالتأسي بالقوم فيما يأتونه من طاعة لذاتهم فلذلك تراهم كثيرا ما يلهجون بأشباه هذه الأخبار وينقرون عنها عند تصفحهم لأوراق الدواوين ولو ائتسوا بهم في غير هذا من أحوالهم وصفات الكمال اللائقة بهم المشهورة عنهم لكان خيرا لهم لو كانوا يعلمون ولقد عذلت يوما بعض الأمراء من أبناء الملوك في كلفه بتعلم الغناء وولوعه بالأوتار وقلت له ليس هذا من شأنك ولا يليق بمنصبك فقال لي أفلا

(1) المستهتر: لشئ بالفتح المولع به لا يبالي بما فعل فيه وشتم له والذي كثرت أباطيله آه قاموس
(٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 ... » »»