تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٢٤
خدمة الحرم أجمع من بعد مولاه بمشهد من أوليائهم وشيعتهم ومراقبة من كافتهم وقد اتفق برابرة المغرب الأقصى عامة على بيعة إدريس الأصغر من بعد أبيه وآتوه طاعتهم عن رضى وإصفاق وبايعوه على الموت الأحمر وخاضوا دونه بحار المنايا في حروبه وغزواته ولو حدثوا أنفسهم بمثل هذه الريبة أو قرعت أسماعهم ولو من عدو كاشح أو منافق مرتاب لتخلف عن ذلك ولو بعضهم كلا والله إنما صدرت هذه الكلمات من بني العباس أقتالهم ومن بني الأغلب عمالهم كانوا بأفريقية وولاتهم وذلك أنه لما فر إدريس الأكبر إلى المغرب من وقعة بلخ أو عز الهادي إلى الأغالبة أن يقعدوا له بالمراصد ويذكوا عليه العيون فلم يظفروا به وخلص إلى المغرب فتم امره وظهرت دعوته وظهر الرشيد من بعد ذلك على ما كان من واضح مولاهم وعاملهم على الإسكندرية من دسيسة التشيع للعلوية وإدهانه في نجاة إدريس إلى المغرب فقتله ودس الشماخ من موالي المهدي أبيه للتحيل على قتل إدريس فأظهر اللحاق به والبراءة من بني العباس مواليه فاشتمل عليه إدريس وخلطه بنفسه وناوله الشماخ في بعض خلواته سما استهلكه به ووقع خبر مهلكه من بني العباس أحسن المواقع لما رجوه من قطع أسباب الدعوة العلوية بالمغرب واقتلاع جرثومتها ولما تأدى إليهم خبر الحمل المخلف لإدريس فلم يكن لهم إلا كلا ولا وإذا بالدعوة قد عادت والشيعة بالمغرب قد ظهرت ودولتهم بإدريس بن إدريس قد تجددت فكان ذلك عليهم أنكى من وقع السهام وكان الفشل والهرم قد نزلا بدولة العرب عن أن يسموا إلى القاصية فلم يكن منتهى قدرة الرشيد على إدريس الأكبر بمكانه من قاصية المغرب واشتمال البربر عليه إلا التحيل في إهلاكه بالسموم فعند ذلك فزعوا إلى أوليائهم من الأغالبة بأفريقية في سد تلك الفرجة من ناحيتهم وحسم الداء المتوقع بالدولة من قبلهم واقتلاع تلك العروق قبل أن تشج منهم يخاطبهم بذلك المأمون ومن بعده من خلفائهم فكان الأغالبة عن برابرة المغرب الأقصى أعجز ولمثلها من الزبون على ملوكهم أحوج لما طرق الخلافة من انتزاء ممالك العجم على سدتها وامتطائهم صهوة التغلب عليها وتصريفهم أحكامها طوع أغراضهم في رجالها وجبايتها وأهل خططها وسائر نقضها وإبرامها كما قال شاعرهم
(٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 ... » »»