تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٩
الربانية فسيح المدى * والإمامة الفارسية الكريمة (1) العزيزة إن شاء الله بنظرها الشريف * وفضلها الغني عن التعريف * تبسط له من العناية مهادا * وتفسح له في جانب القبول آمادا * فتوضح بها أدلة على رسوخه وأشهادا * ففي سوقها تنفق بضائع الكتاب وعلى حضرتها تعكف ركائب العلوم والآداب * ومن مدد بصائرها المنيرة نتائج القرائح والألباب * والله يوزعنا شكر نعمتها * ويوفر لنا حظوظ المواهب من رحمتها ويعيننا على حقوق خدمتها * ويجعلنا من السابقين في ميدانها المحلين في حومتها * ويضفي على أهل إيالتها * وما أوي من الاسلام إلى حرم عمالتها * لبوس حمايتها وحرمتها * وهو سبحانه المسؤول أن يجعل أعمالنا خالصة في وجهتها * بريئة من شوائب الغفلة وشبهتها * وهو حسبنا ونعم الوكيل المقدمة في فضل علم التاريخ وتحقيق مذاهبه والالماع لما يعرض للمؤرخين من المغالط وذكر شئ من أسبابها إعلم أن فن التأريخ فن عزيز المذهب جم الفوائد شريف الغاية إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم. والأنبياء في سيرهم. والملوك في دولهم وسياستهم. حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا فهو محتاج إلى مآخذ متعددة ومعارف متنوعة وحسن نظر وتثبت يفضيان بصاحبهما إلى الحق وينكبان به عن المزلات والمغالط لان الاخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الانساني ولا قيس الغائب منها بالشاهد والحاضر بالذاهب فربما لم يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم والحيد عن جادة الصدق وكثيرا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأيمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثما أو سمينا ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصيرة في الاخبار فضلوا عن الحق

(1) قوله الفارسية اي المنسوبة إلى أبي فارس لمتقدم ذكره اه‍
(٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 ... » »»