تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ١٦
أموال الجباية حتى كان الرشيد يطلب اليسير من المال فلا يصل إليه فغلبوه على أمره وشاركوه في سلطانه ولم يكن له معهم تصرف في أمور ملكه فعظمت آثارهم وبعد صيتهم وعمروا مراتب الدولة وخططها بالرؤساء من ولدهم وصنائعهم واحتازوها عمن سواهم من وزارة وكتابة وقيادة وحجابة وسيف وقلم يقال إنه كان بدار الرشيد من ولد يحيى بن خالد خمسة وعشرون رئيسا من بين صاحب سيف وصاحب قلم زاحموا فيها أهل الدولة بالمناكب ودفعوهم عنها بالراح لمكان أبيهم يحيى من كفالة هارون ولي عهد وخليفة حتى شب في حجره ودرج من عشه وغلب على أمره وكان يدعوه يا أبت فتوجه الايثار من السلطان إليهم وعظمت الدالة منهم وانبسط الجاه عندهم وانصرفت نحوهم الوجوه وخضعت لهم الرقاب وقصرت عليهم الآمال وتخطت إليهم من أقصى التخوم هدايا الملوك وتحف الأمراء وتسربت إلى خزائنهم في سبيل التزلف والاستمالة أموال الجباية وأفاضوا في رجال الشيعة وعظماء القرابة العطاء وطوقوهم المنن وكسبوا من بيوتات الاشراف المعدم وفكوا العاني ومدحوا بما لم يمدح به خليفتهم وأسنوا لعفاتهم الجوائز والصلات واستولوا على القرى والضياع من الضواحي والأمصار في سائر الممالك حتى أسفوا البطانة وأحقدوا الخاصة وأغصوا أهل الولاية فكشفت لهم وجوه المنافسة والحسد ودبت إلى مهادهم الوثير من الدولة عقارب السعاية حتى لقد كان بنو قحطبة أخوال جعفر من أعظم الساعين عليهم لم تعطفهم لما وقر في نفوسهم من الحسد عواطف الرحم ولا وزعتهم أواصر القرابة وقارن ذلك عند مخدومهم نواشئ الغيرة والاستنكاف من الحجر والأنفة وكان الحقود التي بعثتها منهم صغائر الدالة وانتهى بها الاصرار على شأنهم إلى كبائر المخالفة كقصتهم في يحيى بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أخي محمد المهدي الملقب بالنفس الزكية الخارج على المنصور ويحيى هذا هو الذي استنزله الفضل بن يحيى من بلاد الديلم على أمان الرشيد بخطه وبذل لهم فيه ألف ألف درهم على ما ذكره الطبري ودفعه الرشيد إلى جعفر وجعل اعتقاله بداره وإلى نظره فحبسه مدة ثم حملته الدالة على تخلية سبيله والاستبداد بحل عقاله حرما لدماء أهل البيت بزعمه ودالة على السلطان في حكمه. وسأله الرشيد عنه لما وشي به إليه ففطن وقال أطلقته فأبدى له وجه
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»