وعراف اليمامة هو رباح بن عجلة وعراف نجد الأبلق الأسدي. ومن هذه المدارك الغيبية ما يصدر لبعض الناس عند مفارقة اليقظة والتباسه بالنوم من الكلام على الشئ الذي يتشوف إليه بما يعطيه غيب ذلك الامر كما يريد ولا يقع ذلك إلا في مبادئ النوم عند مفارقة اليقظة وذهاب الاختبار في الكلام فيتكلم كأنه مجبول على النطق وغايته أن يسمعه ويفهمه وكذلك يصدر عن المقتولين عند مفارقة رؤوسهم وأوساط أبدانهم كلام بمثل ذلك. ولقد بلغنا عن بعض الجبابرة الظالمين أنهم قتلوا من سجونهم أشخاصا ليتعرفوا من كلامهم عند القتل عوقب أمورهم في أنفسهم فأعلموهم بما يستشبع. وذكر مسلمة في كتاب الغاية له في مثل ذلك أن آدميا إذا جعل في دن مملوء بدهن السمسم ومكث فيه أربعين يوما يغذى بالتين والجوز حتى يذهب لحمه ولا يبقى منه إلا العروق وشؤون رأسه فيخرج من ذلك الدهن فحين يجف عليه الهواء يجيب عن كل شئ يسال عنه من عواقب الأمور الخاصة والعامة وهذا فعل من مناكير أفعال السحرة لكن يفهم منه عجائب العالم الانساني ومن الناس من يحاول حصول هذا المدرك الغيبي بالرياضة فيحاولون بالمجاهدة موتا صناعيا بإماتة جميع القوى البدنية ثم محو آثارها التي تلونت بها النفس ثم تغذيتها بالذكر لتزداد قوة في نشئها ويحصل ذلك بجمع الفكر وكثرة الجوع ومن المعلوم على القطع أنه إذا نزل الموت بالبدن ذهب الحس وحجابه واطلعت النفس على المغيبات ومن هؤلاء أهل الرياضة السحرية يرتاضون بذلك ليحصل لهم الاطلاع على المغيبات والتصرفات في العوالم وأكثر هؤلاء في الأقاليم المنحرفة جنوبا وشمالا خصوصا بلاد الهند ويسمون هنالك الحوكية ولهم كتب في كيفية هذه الرياضة كثيرة والاخبار عنهم في ذلك غريبة. وأما المتصوفة فرياضتهم دينية وعرية عن هذه المقاصد المذمومة وإنما يقصدون جمع الهمة والاقبال على الله بالكلية ليحصل لهم أذواق أهل العرفان والتوحيد ويزيدون في رياضتهم إلى الجمع والجوع التغذية بالذكر فبها تتم وجهتهم في هذه الرياضة لأنه إذا نشأت النفس على الذكر كانت أقرب إلى العرفان بالله وإذا عريت عن الذكر كانت شيطانية وحصول ما يحصل من معرفة الغيب والتصرف لهؤلاء المتصوفة إنما هو بالعرض ولا يكون مقصودا من أول
(١٠٩)