الامر لأنه إذا قصد ذلك كانت الوجهة فيه لغير الله وإنما هي لقصد التصرف والاطلاع على الغيب وأخسر بها صفقة فإنها في الحقيقة شرك قال بعضهم من آثر العرفان للعرفان فقد قال بالثاني فهم يقصدون بوجهتهم المعبود لا لشئ سواه وإذا حصل في أثناء ذلك ما يحصل فبالعرض وغير مقصود لهم وكثير منهم يفر منه إذا عرض له ولا يحفل به وإنما يريد الله لذاته لا لغيره وحصول ذلك لهم معروف ويسمون ما يقع لهم من الغيب والحديث على الخواطر فراسة وكشفا وما يقع لهم من التصرف كرامة وليس شئ من ذلك بنكير في حقهم وقد ذهب إلى إنكاره الأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني وأبو محمد بن أبي زيد المالكي في آخرين فرارا من التباس المعجزة بغيرها والمعول عليه عند المتكلمين حصول التفرقة بالتحدي فهو كاف.
وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن فيكم محدثين وإن منهم عمر وقد وقع للصحابة من ذلك وقائع معروفة تشهد بذلك في مثل قول عمر رضي الله عنه يا سارية الجبل وهو سارية بن زنيم كان قائدا على بعض جيوش المسلمين بالعراق أيام الفتوحات وتورط مع المشتركين في معترك وهم بالانهزام وكان بقربه جبل يتحيز إليه فرفع لعمر ذلك وهو يخطب على المنبر بالمدينة فناداه يا سارية الجبل وسمعه سارية وهو بمكانه ورأى شخصه هنالك والقصة معروفة ووقع مثله أيضا لابي بكر في وصيته عائشة ابنته رضي الله عنهما في شأن ما نحلها من أوسق التمر من حديقته ثم نبهها على جذاذه لتحوزه عن الورثة فقال في سياق كلامه وإنما هما أخواك وأختاك فقالت إنما هي أسماء فمن الأخرى فقال إن ذا بطن بنت خارجة أراها جارية فكانت جارية وقع في الموطأ في باب ما لا يجوز من النحل ومثل هذه الوقائع كثيرة لهم ولمن بعدهم من الصالحين وأهل الاقتداء إلا أن أهل التصوف يقولون إنه يقل في زمن النبوءة إذ لا يبقى للمريد حالة بحضرة النبي حتى إنهم يقولون إن المريد إذا جاء للمدينة النبوية يسلب حاله ما دام فيها حتى يفارقها والله يرزقنا الهداية ويرشدنا إلى الحق.
ومن هؤلاء المريدين من المتصوفة قوم بها ليل معتوهون أشبه بالمجانين من العقلاء وهم مع ذلك قد صحت لهم مقامات الولاية وأحوال الصديقين وعلم ذلك من