يعلم المتحدث فيه ما يحدث فلا يحصل له من الروعة ما يحصل للذاهل الغافل عنه فقال له لا بأس بهذا وأمره بالشروع فيه أو كما قيل ومن دهائه ما حكى أنه حصل لهولاكو غضب على علاء الدين الجويني صاحب الديوان فأمر بقتله فجاء أخوه إلى النصير وذكر له ذلك فقال النصير هذا القان إن أمر بأمر لا يمكن رده خصوصا إذا برز إلى الخارج فقال له لا بد من الحيلة في ذلك فتوجه إلى هولاكو وبيده عكاز وسبحة ثم أصطرلاب وخلفه من يحمل مبخرة وبخورا ونارا فرآه خاصة هولاكو الذين على باب المخيم فلما وصل أخذ يزيد في البخور ويرفع الأصطرلاب ناظرا فيه ويضعه فلما رأوه يفعل ذلك دخلوا على هولاكو وأعلموه ثم خرجوا إليه فقال لهم القان أين هو قالوا له جوا قال طيب معافى موجود في صحة قالوا نعم فسجد شكرا لله تعالى ثم قال لهم طيب في نفسه قالوا نعم وكرر ذلك مرارا وقال أريد أرى وجهه بعيني فدخلوا فأعلموه وكان في وقت لا يجتمع فيه به أحد فقال علي به فلما دخل ورآه سجد وأطال السجود فقال له ما خبرك قال اقتضى الطالع في هذا الوقت أن يكون على القان أمر فظيع عظيم إلى الغاية فقمت وعملت هذا وبخرت بهذا البخور ودعوت بأدعية أعرفها أسأل الله تعالى صرف ذلك عن القان وينبغي الآن أن القان يكتب إلى سائر ممالكه بإطلاق من في الاعتقال والعفو عمن له جناية لعل الله عز وجل يصرف هذا الحادث العظيم ولو لم أر وجه القان ما صدقت فأمر في تلك الساعة هولاكو بما قال وانطلق علاء الدين صاحب الديوان في جملة الناس ولم يذكره النصير الطوسي وهذا غاية في الدهاء بلغ به مقصده ودفع عن الناس أذاهم ومما وقف له عليه أن ورقة حضرت إليه من شخص من جملة ما فيها يا كلب يا بن الكلب فكان الجواب أما قوله يا كذا فليس بصحيح لأن الكلب من ذوات الأربع وهو نابح طويل الأظفار وأما أنا فمنتصب القامة بادي البشرة عريض الأظفار ناطق ضاحك فهذه الفصول والخواص غير تلك الفصول والخواص وأطال في نقض كل ما قاله هكذا رد عليه بحسن طوية وتأن غير منزعج ولم يقل في الجواب كلمة قبيحة
(٢٥٣)