ونهب الناس مالها وسبوا وقتلوا وحرقوا وبقية القلعة محتمية وبلغ العدو ذلك فرحلوا نحوها فترك صلاح الدين على طبرية من يحاصرها والتقى العدو على سطح جبل طبرية الغربي وباتا على مصاف إلى بكرة الجمعة وتصادموا والتحم القتال بأرض قرية لوبيا وضاق الخناق بالعدو وحال الليل بينهم فحملت أطناب المسلمين من سائر الجوانب وصاحوا صيحة رجل واحد فألقى الله الرعب في قلوب الفرنج فهرب القومص وقصد جهة صور وتبعه المسلمون فنجا منهم وهرب بعض الفرنج فتبعهم طائفة من المسلمين واعتصمت طائفة منهم بتل حطين فضايقهم المسلمون وأشعلوا حولهم النيران فاشتد بهم العطش فأسر مقدموهم وقتل الباقون وكان ممن سلم وأسر من مقدمي الفرنج الملك جفري وأخوه والبرنس أرناط صاحب الكرك والشوبك وابن الهنفري وابن صاحب طبرية ومقدم الديوية وصاحب جبيل ومقدم الاسبتار قال القاضي ابن شداد ولقد حكى لي من أثق به أنه رأى بحوران شخصا واحدا معه نيف وثلاثون أسيرا قد ربطهم بطنب خيمة لما وقع عليهم من الخذلان وأما مقدم الاسبتار والديوية فإن السلطان قتلهما وقتل من بقي من صنفهما حيا وأما أرناط البرنس فإن السلطان كان قد نذر دمه لأنه كان قد عبر به قوم من مصر في حالة الصلح فغدر بهم وقتلهم فناشدوه الصلح الذي بينه وبين المسلمين فقال ما يتضمن الاستخفاف بالنبي صلى الله عليه وسلم فجلس في دهليز الخيمة وعرضت الأسرى عليه وصار الناس يتقربون إليه بمن في أيديهم من الفرنج وهو يفرح بما فتح الله عليه واستحضر الملك الجفري وأخاه البرنس أرناط وناول السلطان الملك جفري شربة من جلاب وثلج فشرب منها وكان على أشد حال من العطش ثم ناولها للبرنس وقال السلطان للترجمان أنت الذي سقيته وإلا أنا فما سقيته وكان من جميل عادات العرب وجميل أخلاقهم أن الأسير إذا أكل وشرب من مال من أسره أمن ثم أمر بمسيرهم إلى موضع عينه فمضوا بهم إليه وأكلوا شيئا وعادوا بهم فاستحضرهم وأوقف البرنس بين يديه وقال ها أنا أنتصر لمحمد منك ثم عرض عليه الإسلام فلم يفعل فسل النيمجاه وضربه بها فحل كتفه وتمم قتله من حضر فلما رأى جفري ذلك قال لم تجر عادة الملوك بقتل الملوك فقال السلطان هذا تجرأ على الأنبياء وجاوز الحد ثم نزل على طبرية وسلم قلعتها ورحل طالبا عكا ونزل عليها وقاتلها وأخذها بكرة الخميس مستهل جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وخمس مائة واستنقذ من كان بها من الأسرى وأخذ ما كان فيها من الأموال وتفرقت العساكر إلى بلاد الساحل فأخذوا نابلس وحيفا وقيسارية وصفورية والناصرة وسار يطلب تبنين فنزل عليها يوم الأحد حادي عشر جمادى الأولى فنصب عليها المناجيق وضايقها بالزحف وكان فيها أبطال معدودون فقاتلوا قتالا شديدا
(٥٤)