الوافي بالوفيات - الصفدي - ج ١٨ - الصفحة ٢١٣
إلى التسبيح لأن حروفه شذور السبح وخلص من الترجيح بأول ما صافح الطرف من الطرف واللمح من الملح فتناول منها جنة قد زخرفت بنار وليلة قد وثجت بنهار وروضة قد سقيت بأنهار عقار وعارض ذهب قد أذيب يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار فتعالى من ألان لداود عليه السلام الحديد ولها الذهب وأيقظ به جد هذه الصناعة بعد أن نام بين الأنام فهب وأعلم) الناس أن القلم في يد ابن البواب للضرب لا للطرب وأن قيمة كل منها ومنه ما به في هذه الصناعة وكتب وجلاها بتمام البدور وأعطاه ما أعطى أباه من المحاق وأخر زمانها وقدم زمانه ورزقها السبق وحرمه اللحاق فمن ألفات ألفت الهمزات غصونها حمائم ومن لامات بعدها يحسدها المحب على عناق قدودها النواعم ومن صادات نقعت غلال القلوب الصوادي والعيون الحوائم ومن واوات ذكرت ما في جنة الأصداغ من العطفات ومن ميمات دنت الأفواه من ثغورها لتنال جني الرشفات ومن سينات كأنها التأشير في تلك الثغور ومن دالات دالات على الطاعة لكاتبها بانحناء الظهور ومن جمات كالمناسر تصيد القلوب التي تخفق لروعات الاستحسان كالطيور وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وخالد فيها خالد وتحيته فيها المحامد ويده تضرب في ذهب ذائب والخلق تضرب في حديد بارد فهي اليد التي تنظم تيجان الملوك بدرها وتظهر آية الكرم على قراطيسها لما تظهره من تبرها وما كنت قبل يدها أحسب أن سحابا يمطر تضارا ولا أن ماء يستمد نارا ولا أن أقلامها سفكت دم المال فأجرته أنهارا ولا قل لحظها أن الشفق لا يشفق من طلوع الفجر ولا أن لون الوصل ينقض على لون الهجر ولا أن الليل يتشبث بعطف البرق فلا يريم ولا أن ذهب الأصيل يجري به سواد الليل البهيم ولا أن يدا كريمة تدعي من آيات قلمها وكرمها أن الجلمود بها يفارق الجمود وأن اليراعة تستر فرقدها على الظمأ فيشافه منهل النضارة المورود وما كانت خطوط الفضلاء إلا تجربة بين يدي تجريرها الآن ولا أقلامها إلا حطبا أوقدته على الذهب فذاب لها ولان ولا تحسب الخط إلا بحسبها فغيرت له أثواب الحداد وجلت عرائس حروفه مضمخة الأجساد بالجساد وأطلعت إنسان عين الإحسان بدليل كونه لم يلمح إلا في سواد وسجد له والسجود فرضه لأنه ثوب التيجان وقبله والتقبيل حقه لأن الجنان تجاوز منه حور الجنان كيف لا يفضل جوهرها بأن يفضل ويقابل حروفها بان تقبل وقد كتب الناس إليه وكتب بالعين وحصل الناس من هذه الصناعة بعد حرب حنين على خفي حنين وفازت بما أظهرت من ثروتها للنظار من النضار وصحت لها الكيمياء لأنه كتب بشطر دينار سطرا بألف دينار وأن له في نهارها بل في أنهارها سبح طويل وأنها على خفة وزنها وقلة أسطرها لتكلف من الشكر عبئا ثقيلا وكيف لا تخف ميزان الثناء على أنها رجحته بذائب ذهب وكيف يضل وفد الشكر وقد هدبه بذوائب لهب وقد نشره وطواه حتى كاد أن يخلقه وأسام فيه ناظرا لا يسأمه) فكان آخر ما يأمله أول ما رمقه أمسى لافتتانه يعبد مذهبه على حروفه أو
(٢١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 ... » »»