وأخذ ينقب في حجره فقال عنده الكافر يا ليتني كنت ترابا فحينئذ يئس الكفار من أصحاب الدور كما يئس الكفار من أصحاب القبور وجاء أمر الله وغرهم بالله الغرور وفي الحال خرج طاغية كفرهم وزمام أمرهم ابن بارزان سائلا أن يؤخذ البلد بالسلم لا بالعنوة وبالأمان لا بالسطوة وألقى بيده إلى التهلكة وعلاه ذل الهلكة بعد عز المملكة وطرح جنبه على التراب وكان جنبا لا يتعاطاه طارح وبذل مبلغا من القطيعة لا يطمح إليها أمل طامح وقال ها هنا أسارى مسلمون يتجاوزون الألوف وقد تعاقد الفرنج على أنهم إن هجمت عليهم الدار وحملت الحرب على ظهورهم الأوزار بدىء بهم فعجلوا وثنى بنساء الفرنج وأطفالهم فقتلوا ثم استقتلوا بعد ذلك فلا يقتل خصم إلا بعد أن ينتصف ولا يفل سيف من يد إلا بعد أن تقطع أو ينقصف فأشار الأمراء بأخذ الميسور من البلد المأسور فإنه لو أخذ حربا فلا بد أن يتقحم الرجال الأنجاد ويقال كفوا عنها في آخر أمر قد نيل من أوله المراد وكانت الجراح في العساكر قد تقدم منها ما اعتقل الفتكات وأثقل الحركات فقبل منهم المبذول عن يد وهم صاغرون وانصرف أهل الحرب عن قدرة وهم ظاهرون وملك الإسلام خطة كان عهده بها دمنة سكان فخدمها الكفر إلى أن صارت روضة جنان لا جرم أن الله تعالى أخرجهم منها وأهبطهم وأرضى أهل الحق وأسخطهم فإنهم خذلهم الله حموها بالأسل والصفاح وبنوها بالعمد والصفاح وأودعوا الكنائس بها وبيوت الديوية والاسبتارية فيها بكل غريبة من الرخام الذي يطرد ماؤه ولا ينطرد لألاؤه قد لطف الحديد في تجزيعه وتفتن في توشيعه إلى أن صار الحديد الذي فيه بأس شديد كالذهب الذي فيه نعيم عتيد فما ترى إلا مقاعد كالرياض لها من بياض الترخيم رقراق وعمدا كالأشجار لها من التنبيت أوراق وأوعز الخادم برد الأقصى إلى عهده المعهود وأقام له من الأئمة من
(١٨٥)