وأمر الله، عز وجل، موسى أن يقول لبني إسرائيل أن يذبحوا بقرة صفراء مسلمة لا عيب فيها، ثم يأخذ دمها فيرشه على حبال قبة الزمان، ثم يحرقها وجلدها، ثم ليأت رجل آخر، فليجمع الرماد، وليصيره في موضع، فإذا أراد أحد أن يطهر، فليجعل في الماء من ذلك الرماد، فيكون طهورا.
وأقام موسى وبنو إسرائيل في التيه دهرا، وكان طعامهم المن، وكان المن مثل حب الكسبرة يطحنونه بالارحاء ويجعلونه أرغفة، فيكون طعامهم طيبا أطيب من كل شئ، وكان ينزل عليهم بالليل، ويجمعونه بالنهار، فضجوا وبكوا، وجعلوا يقولون: من يطعمنا لحما؟ أما تذكرون ما كنا نأكل بمصر من النون، والقثاء، والبطيخ، والكراث، والبصل، والفوم؟ فاشتد غم موسى لذلك، وجعلوا يقولون: أطعمنا لحما! فقال موسى: اللهم إني لا أقوى على بني إسرائيل! فأوحى الله إليه إني مطعمكم لحما، فبعث لهم السلوى، وأعلمهم الله أنه يخرجهم إلى الشأم، فبعث موسى إلى الشأم بيوشع ابن نون وغيره إلى أرض بني كنعان ليأتوه بخبرها، فقالت بنو إسرائيل: لا طاقة لنا بحرب الجبابرة.
وأذن الله لموسى أن ينتقم من أهل مدين، فوجه باثني عشر ألف رجل من بني إسرائيل، فقتلوا جميع أهل مدين، وقتلوا ملوكهم، وكانوا خمسة ملوك:
أوي، ورقم، وصور، وحور، وربع، وقتل بلعام بن باعور في الحرب، وكان نبيا، فأشار على ملك مدين أن يوجه بالنساء على عسكر بني إسرائيل، حتى يفسدوهم، فغضب موسى من ذلك، فأمر الله موسى أن يقسم تلك الغنائم بين بني إسرائيل، ويأخذ منهم من كل خمسين واحدا، فيجعله لله يدفعه إلى ولد هارون، ثم أمره الله أن يوجه بني إسرائيل إلى الشام يقاتلون من بها، فوجه جيشا عظيما، فجعلوا يسيرون قليلا قليلا، وينزلون، ويقولون: إنا نخاف الجبارين! فأقاموا بجبل ساعير، فقال الله تعالى لموسى: إن بني إسرائيل عصوا أمري، فليشتروا الطعام بالثمن، وليخضعوا الآن لمن كان يخضع لهم.