أصحابك يذهبون بعسكري، وقد كان فأتني بالظنة. فحلف أنه لم يعلم لشئ مما كان سببا. فقال أنوشروان: يا أخي! جندنا وجندك قد كرهوا صلحنا لانقطاع ما انقطع عنهم من النيل في الغارات والحروب التي كانت تكون بيننا ولا آمن أن يحدثوا أحداثا تفسد قلوبنا بعد تصافينا وتخالصنا حتى نعود إلى العداوة بعد الصهر والمودة، والرأي أن تأذن لي في بناء حائط يكون بيني وبينك ونجعل عليه بابا فلا يدخل إليك من عندنا وإلينا من عندك إلا من أردت وأردنا.
فأجابه إلى ذلك. فانصرف إلى بلاده وأقام أنوشروان لبناء الحائط، فبناه وجعله من قبل البحر بالصخر والرصاص، وجعل عرضه ثلاث مئة ذراع، وألحقه برؤوس الجبال، وأمر أن تحمل الحجارة في السفن وبتغريقها في البحر حتى إذا ظهرت على وجه الماء بنى عليها فقاد الحائط في البحر ثلاثة أميال. فلما فرغ من بنائه علق على المدخل منه أبواب حديد ووكل به مائة فارس يحرسونه بعد أن كان موضعه يحتاج إلى خمسين ألفا من الجند، وجعل عليه دبابة، فقيل لخاقان بعد ذلك: إنه خدعك وزوجك غير ابنته وتحصن منك. فلم يقدر على حيلة.
وملك أنوشروان ملوكا رتبهم، وجعل لكل امرئ منهم شاهية ناحية. فمنهم خاقان الجبل وهو صاحب السرير ويدعى وهرارزانشاه، ومنهم ملك فيلان وهو فيلان شاه، ومنهم طبرسر انشاه، وملك اللكز ويدعى جرشانشاه، وملك مسقط وقد بطلت مملكته، وملك ليران ويدعى ليرانشاه، وملك شروان ويدعى شروانشاه (ص 166)، وملك صاحب بخ على بخ، وصاحب زريكران عليها، وأقر ملوك جبل القبق على ممالكهم وصالحهم على الإتاوة. فلم تزل أرمينية في أيدي الفرس حتى ظهر الاسلام، فرفض كثير من السياسيجين حصونهم ومدائنهم حتى خربت، وغلب الخزر والروم على ما كان في أيديهم بديا.