فنزلوا على ملطية. فأغلق أهلها أبوابها، وظهر النساء على السور عليهن العمائم فقاتلن. وخرج رسول لأهل ملطية مستغيثا. فركب البريد وسار حتى لحق بهشام بن عبد الملك وهو بالرصافة. فندب هشام الناس إلى ملطية. ثم أتاه الخبر بأن الروم قد رحلت عنها، فدعا الرسول فأخبره وبعث معه خيلا ليرابط بها.
وغزا هشام نفسه، ثم نزل ملطية وعسكر عليها حتى بنيت، فكان ممره بالرقة، دخلها متقلدا سيفا ولم يتقلده قبل ذلك في أيامه.
493 - قال الواقدي: لما كانت سنة ثلاث وثلاثين ومئة أقبل قسطنطين الطاغية عامدا لملطية، وگمخ يومئذ في أيدي المسلمين وعليها رجل من بنى سليم. فبعث أهل كمخ الصريخ إلى أهل ملطية. فخرج إلى الروم منهم ثماني مئة فارس، فواقعتهم خيل الروم فهزمتهم. ومال الرومي فأناخ على ملطية فحصر من فيها، والجزيرة يومئذ مفتونة، وعاملها موسى بن كعب بحران.
فوجهوا رسولا لهم إليه فلم يمكنه إغاثتهم. وبلغ ذلك قسطنطين فقال لهم:
يا أهل ملطية! إني لم آتكم إلا على علم بأمركم وتشاغل سلطانكم. انزلوا على الأمان وأخلوا المدينة وأخربها وأمضى عنكم. فأبوا عليه، فوضع عليها المجانيق.
فلما جهدهم البلاء واشتد عليهم الحصار سألوه أن يوثق لهم ففعل. ثم استعدوا للرحلة وحملوا ما استدق لهم، وألقوا كثيرا مما ثقل عليهم في الآبار والمخابي، ثم خرجوا. وأقام لهم الروم صفين من باب المدينة إلى منقطع آخرهم مخترطي السيوف، طرف سيف كل واحد منهم (ص 186) مع طرف سيف الذي يقابله حتى كأنها عقد قنطرة، ثم شيعوهم حتى بلغوا مأمنهم وتوجهوا نحو الجزيرة فتفرقوا فيها. وهدم الروم ملطية فلم يبقوا منها إلا هريا، فإنهم شعثوا منه شيئا يسيرا، وهدموا حصن قلوذية.