وأشار عليه أن يلتمس سلما. فأتاه قوم من أهل الدير الذي عند عسكره بسلمين فرقى جماعة من المسلمين عليهما إلى أعلى السور ونزلوا إلى الباب وليس عليه إلا رجل أو رجلان. فتعاونوا عليه وفتحوه، وذلك عند طلوع الشمس، وقد كان أبو عبيدة بن الجراح عانى فتح باب الجابية وأصعد جماعة من المسلمين على حائطه، فأنصب مقاتلة الروم إلى ناحيته فقاتلوا المسلمين قتالا شديدا، ثم إنهم ولوا مدبرين، وفتح أبو عبيدة والمسلمون معه باب الجابية عنوة، ودخلوا منه، فالتقى أبو عبيدة (ص 121) وخالد بن الوليد بالمقسلاط، وهو موضع النحاسين بدمشق، وهو البريص الذي ذكره حسان بن ثابت في شعره حين يقول:
يسقون من ورد البريص عليهم * بردى يصفق بالرحيق السلسل 330 - وقد روى أن الروم أخرجوا ميتا لهم من باب الجابية ليلا، وقد أحاط بجنازته خلق من شجعانهم وكماتهم، وانصب سائرهم إلى الباب فوقفوا عليه ليمنعوا المسلمين من فتحه ودخوله إلى رجوع أصحابهم من دفن الميت، وطمعوا في غفلة المسلمين عنهم، وإن المسلمين بدروا بهم فقاتلوهم على الباب أشد قتال وأبرحه حتى فتحوه في وقت طلوع الشمس. فلما رأى الأسقف أن أبا عبيدة قد قارب دخول المدينة بدر إلى خالد فصالحه وفتح له الباب الشرقي. فدخل والأسقف معه ناشرا كتابه الذي كتبه له. قال بعض المسلمين: والله ما خالد بأمير فكيف يجوز صلحه؟ فقال أبو عبيدة: إنه يجيز على المسلمين أدناهم.
وأجاز صلحه وأمضاه، ولم يلتفت إلى ما فتح عنوة، فصارت دمشق صلحا كلها. وكتب أبو عبيدة بذلك إلى عمر وأنفذه، وفتحت أبواب المدينة فالتقى القوم جميعا.