فتوح الشام - الواقدي - ج ٢ - الصفحة ٩١
ويوم ابعث حيا قال فلما سمع أبو ثوب كلام يزيد التفت اليه بغضب وحنق وقال ما هذا الكلام الذي نطقت به قال يزيد هذا كلام الله جل جلاله الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الذي لا تفنى عجائبه ولا تنفذ غرائبه ولا تبدل كلماته ولا تمل آياته فقال ما معنى الذي ذكرت ونطقت به وما تفسيره فقال يزيد أما قول الله اخبارا عن عيسى حين قال إني عبد الله فإنه يعلم الخلق أنه عبد الله وليس بولد جل الواحد الأحد الفرد الصمد وأما قوله آتاني الكتاب فمعناه أعلمكم الاحكام وأعرفكم الحلال والحرام وأما قوله وأوصاني بالصلاة والزكاة فمعناه أني مأمور بالطاعة والخدمة والزكاة مثلكم فان في مالي حقا لله وأما قوله والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت فيعلمهم أنه يموت ومن يموت لا يكون له العزة والجبروت وأما قوله ويوم أبعث حيا فيعلمهم أنه وإياهم مبعوثون في يوم القيامة وقوف يوم الحشر والندامة ولو كانا الهين لكان لهما ارادتان ووقع الخلف بينهما وان الحكمة غير ذلك وهي على وحدانيته شاهدة قال فلما سمع أبو ثوب من يزيد بن عامر هذا المقال قال لقد مثلتم بالأباطيل وغرقتم في بحر الأضاليل فقال يزيد الله أعلم من هو تائه في تيه المحال مشرك بالملك المتعال الذي لا سماء تظله ولا أرض تقله ولا ليل يؤويه ولا نهار يأتيه ولا ضياء يظهره ولا ظلام يستره ولا يقهره سلطان ولا يغيره زمان كل يوم هو في شان أما لكم بصائر أما منكم من ينظر ويعتبر في قدرة الله القادر اما منكم من يعظ نفسه بذهاب النهار واقبال الليل اما آن لكم أن تنزهوه أما آن لكم أن توحدوه أما سمعتم ممن تعبدونه وتبرؤن اليه وتعظمونه فان المسيح قد أقر له بالعبودية وتبرأ من دعوى الربوبية وقال إني عبد الله ولقد بشر بنبينا قبل مبعثه وعرف بني إسرائيل بقربه من الحق وكرامته أما سمعتم بمعجزاته وما ظهر من دلالاته أما انشق له القمر أما كلمه الضب والحجر أما خاطبه البعير والشجر أما هو من أطيب بيت من مصر قال فعجز أبو ثوب عن رد الجواب ولم يكن له ما يزيل حجته الا أن قال ليزيد بن عامر لقد علمنا ما فعل ولكنه كان ساحرا وان كان قولك هذا حقا فادع الله وتوسل اليه بمحمد أن يسقينا الغيث فان جاء الغيث علمنا أن قولك ليس فيه شك ونؤمن بالله ونصدق برسالة محمد صلى الله عليه وسلم قال يزيد بن عامر ان الله يقدر على ما ذكرت فان الله على كل شيء قدير ان العبد المخلص إذا دعاه أجاب دعوته ولكنه يفعل ما يشاء وأنا أتوسل إلى الله بخير خلقه وصفيه وهو الفعال لما يريد ثم إن يزيد قام وخرج من مجلس أبي ثوب فقال له إلى أين قال أدعو الذي لو شاء أنزل عليكم رجزا من السماء ثم قرأ * (بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين) *
(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 ... » »»