فتوح الشام - الواقدي - ج ٢ - الصفحة ٨٨
هربت العرب ووقع الصائح في العسكر فظهر أهل البلد ليقفوا على صحة الخبر ولم يبق في البلد سوى النساء والأطفال قال ابن إسحاق وكان للحكيم بنو عم ثمانون رجلا وان ولده طاف عليهم بالليل وأعلمهم بما فعل فأقبلوا معه وأسلموا عن آخرهم فلما كان الغد وخرج كل من في البلد بادر بنو عم الحكيم واخوته إلى الأبواب فأغلقوها وأعلنوا بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير فوقعت الخمدة على النساء والصبيان واستوثق القوم من المدينة بالثمانين رجلا فأمسكوهم الأبواب وخرج الصحابة رضي الله عنهم ورفعوا أصواتهم يكبرون ويدعون الله عز وجل فلما نظر لهم أهل البلد علموا أنهم قد ملكوها وان الذي فعل ذلك بنو عم الديرجان الحكيم وقد أغلقوا الأبواب وقفلوها وملكوا السور فوقف الملك ينظر إلى ما فعله الصحابة وعلم أن المدينة أخذت منهم وكان في أولاده ولد عاقل لبيب كامل الذات والصفات وافر العقل وكان منذ نشأ يتبع العلماء ويجالسهم ويطلب العلم ومنذ ملك عقله ما أكل لحم خنزير ولا كشف ذيله على محرم ولا سجد لصورة ولا لصليب وكان هم أن يبني صومعة وينفرد فيها فلم يمكنه أبوه من فرط محبته له وكان لا يستطيع فراقه وهذا الغلام اسمه شطا وكان يحب أن يسمع أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبحث عنها فلما نظر إلى الصحابة وقد ملكوا منه البلد وشطا عن يمين أبيه نظر شطا إلى الصحابة والى زيهم والى نور الايمان وهو ساطع منهم قال فشخص شطا نحو السماء ببصره وصاح وسقط عن قربوس فرسه بوجهه قال فارتاع أبوه وجميع عسكره من تلك الصيحة فلما أفاق قال له أبوه يا بني ما وراءك قال ظهر الله والحق وبان وقد تبينت لي حقيقة الايمان وقد نظرت إلى عسكر هؤلاء العرب وعليهم نور عظيم ومعهم رجال عليهم ثياب خضر وهم على خيول شهب وبينهم قبتان معلقتان في الجو بلا علاقة من فوقها ولا دعامة من تحتها وفيها رجال ما رأيت أحسن من وجوههم ولا شك أنهم الشهداء ورأيت في احدى القبتين حورا لو برزن لأهل الدنيا لماتوا شوقا إليهن وان الله تعالى ما كشف عن بصري وأراني ذلك الا وقد أراد لي الخير وما كنت بالذي بعد هذه الرؤيا أبقى على الضلال ولا أتبع المحال وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وحرك جواده وقال من أحبني من رجالي وغلماني فليتبعني قال فتبعه القوم الف رجل ولحقوا ما فعل ولده شطا قال والله ما فعل ولدي شطا ذلك الا وقد رأى الحق ولست أشك في عقله ودينه ثم إنه أسلم ولحق بولده فلما نظر أرباب دولته ذلك قالوا إذا كان الملك وولده قد أسلما فما وقوفنا نحن فاسملوا جميعا على يد
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»