ونظروا إلى أبي ثوب وغلمانه وتجبره بدأ يزيد بالسلام فقال السلام على من اتبع الهدى * (إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى) * قال الواقدي حدثنا ابن سالم عن جرير بن أحمد عن أبيه عبينة عن ابن جرير وكان أعلم الناس بقصة فتوح مصر والمغرب قال كان أبو ثوب هذا من أرض العريش من متنصرة العرب من آل غسان وهو قريب جبلة وكان صاحب مال ورجال وأنه لما وقعت الهزيمة على الروم وفتح الشام وانهزم الملك هرقل وهرب معه جبلة هرب معهم أبو ثوب هذا بماله وأهله واخوته إلى أرض الجفار ونزل في البرية ما بين العريش ورفح وأن المقوقس خرج في بعض الأيام يريد الصيد في عسكره فانتهى في سرحته إلى أرض العريش فانطرد قدامهم وحش كبير فطلبه الملك وتبعه ولم يتبعه أحد من عسكره وهو وراءه وحده إلى أن رماه في حلل العرب في حلة أبي ثوب فقام اليه وعظمه وبجله وعلم أنه الملك فامسك ركابه وأنزله في بيته وذبح له الأغنام ووضع له الطعام وتلاحق الجيش قال فأضافهم أبو ثوب ثلاثة أيام فلما كان في اليوم الرابع ركب في خدمة الملك وشيعه وعاد فلما دخل المقوقس إلى مصر أمر وزيره بأن يكتب إلى أبي ثوب بولاية تنيس وأعمالها وأرسل له الخلع والأموال والمماليك والغلمان فلما وصل اليه منشور الملك وخلعه فرح أبو ثوب وركب وسار إلى الفرمة وركب منها في المراكب إلى تنيس فلما مكث في ولايته بعث إلى أهله واخوته فأتوا اليه فولى أخاه أباسيف على جزيرة الصدف وولى أخاه الثاني أبا شق على جزيرة الطير وولى ولده على دنيوز فلما طال عليه الامر طغى وتجبر ومرت الأيام والليالي حتى قدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض مصر فمنع دفع الخراج إلى مصر والى المقوقس وولده ورأى نفسه في تلك الجزيرة فتحصن بها وقال ما أحد يقدر أن يصل إلي فلما قدم شطا ويزيد بن عامر ونظر إليهم أبو ثوب أظهر الاعجاب والتكبر ولم يلتفت إليهم ولم يجسر أحد من جماعته أن يأذن لهم بالجلوس فلما نظر إلى ذلك يزيد بن عامر قرأ * (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين) * وجلس إلى جانبه شطا ونظر يزيد إلى سرير أبي ثوب فإذا هو من الذهب ووفيه صورة النخلة ومن تحتها صورة مريم والمسيح في حجرها فقرأ فناداها من تحتها ان لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا فاما ترين من البشر أحد فقولي اني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم انسيا إلى قوله اني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت
(٩٠)