فتوح الشام - الواقدي - ج ٢ - الصفحة ٧٩
معهم في أمر الصلح ونحن نسلم إليهم أصحابهم فقال إنهم لن يقبلوا منكم رسولا منذ صبأنا عليهم ببحر الحصى فبينما هم في ذلك وإذا بصاحب البحر قد أتى اليه وهو الموكل بالنار وأخبره أنه رأى مركبا قد ظهر من قبل الغرب ولا أعلم من أين أتى فقال لا شك أنه من صاحب برقة الملك كيماويل وقد أنجدنا فأقبل المركب ورمى مراسيه ونزل منه شيخ مهيب مليح الشيبة ظاهر الهيبة وعليه ثياب من الصوف الأسود ونزل معه عشرون شخصا من القسوس والرهبان فلما نزلوا إلى البر جاءتهم الخيول بالمراكب المذهبة والغلمان والحجاب وعظموا شأنهم وأركبوهم وساروا بين أيديهم إلى أن أوصلوهم إلى الملك وأدخلوهم عليه فقام لهم وعظم شأنهم وأجلس ذلك الشيخ معه على السرير قال الراوي وكان أرسطوليس قد أرسل هدية إلى الملك صاحب برقة وأرسل اليه يعلمه بما فعله العرب في مدة قيصر وانهم قد أتونا ومن جملة ما أرسل له يقول أيها الملك اعلم أن الدنيا دار زوال وانتقال فما وهبت الا واستردت ولا فرحت الا وأحزنت فالمغرور من تشبث بذيلها واطمأن إليها والسعيد من لبس ثياب الحذر منها وعمل لدار المقر أما ترى أيها الملك إلى هرقل ملك الشام كيف هرب وزال ملكه وذلك عندما رمته الدنيا بمصائبها وشتتته بسهام نكائبها بعدما كانت في وجهه مشرقة والا يخطر له هم الأعداء على بال وما ضربت لك هذا المثال الا لعلمي أن الدنيا لا تبقى على حال وهؤلاء العرب قد استولوا على البلاد وأذلوا بسيوفهم العباد وقد أقاموا لهم شرعا بالسيوف الحداد وقد ملكوا القياصرة وقد جاءت طائفة الينا وأخذوا مصر منا وأخذوا ملكنا وحكموا على بلادنا بعدنا ولا بد لهم منك ولا غنى لهم عنك والصواب أن تشمر لهم عن الهمم وتنجدنا على من بغى وأجرم فنحن جيرانك وكلنا جندك وأعوانك والسلام قال الواقدي فلما وصلت الهدية والكتاب عرضه على أرباب دولته وقال لهم ما ترون فيما كاتبكم به صاحب مصر والإسكندرية فقالوا له أيها الملك ما زالت الملوك يستنصر بعضها ببعض والذي أشار اليه هو الحق وان العرب إذا ملكت ملك القبط فلا بد لهم منا والعبور إلى بلادنا فابعث اليه بنجدة ونكون نحن وهو يدا واحدة فالمسيح يعطي النصر لمن يشاء فاجابه إلى ذلك وأمر ابن أخيه اسطفانوس أن يمضي في أربعة آلاف وأمره أن يسير لمعاونة صاحب إسكندرية ثم إنه أرسل خادمه إلى عالم أرضهم والمشار اليه في علم النصرانية وهو البترك واسمه سطيس وكان عمره مائة وعشرين سنة وكان تلميذ زيروسا وزيروسا تلميذ مرقس ومرقس تلميذ يوحنا ويوحنا أحد
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»