فتوح الشام - الواقدي - ج ٢ - الصفحة ٨٣
وقف يقاتلنا فارس وهو بطريق عظيم الخلقة وعليه لبس يلمع وتحته جواد عربي فنادانا بالعربية بلسان فصيح وقال يا عرب انصرفوا عنا فانا لا نريد حربكم وقد ملكتم منا مصر والصعيد وأكثر الريف وقد بقي في أيدينا هذه الجهة وما نحن منازعونكم فيما أخذتموه منا ونحن لا نقلدكم في البغي ونصالحكم صلحا نعود منه عن ظلم أنفسنا ونعدل في رعيتنا وان أبيتم صلحنا لقيناكم بأسرار نقية وقلوب للجهاد قوية فنردكم على أعقابكم منهزمين وفي أذيال الذل متعثرين لأنه ما عدا أحد على أهل هذا الدين الا ذلك وانهزم لأننا قوم لنا الكنائس الأربع والصوامع والبيع والقسوس والرهبان والمذابح والقربان والإنجيل والصلبان ثم سكت عن كلامه قال الراوي وكان هو الملك بن المقوقس فكان أول من بادر إلى رد جوابه شرحبيل بن حسنة كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له لقد افتخرت بما يؤدي صاحبه إلى البوار ويعقبه سوء الدار يا ويلكم أفتفتخرون علينا بالشرك والطغيان وعبادة الصلبان والكفر بالرحمن ونحن أولو التقى والايمان والفوز والرضوان والقبلة والقرآن والحج والاحرام والصلاة والصيام والاجتهاد والاحترام ديننا أفضل الأديان ونبينا المبعوث بالمعجزات والبيان وبالآيات والبرهان والمنزل عليه القرآن ومن اتبعه نال من ربه الغفران ومن جحد صحبته باء بغضب الملك الديان الذي كان ولا مكان ولا دهر ولا زمان ولا وقت ولا أوان شهد لنفسه بالربوبية ولصفاته بالأزلية ولذاته بالأحدية ولملكه بالأبدية سلطانه قاهر وكرمه ظاهر وتدبيره محكم وقضاؤه مبرم وعرشه رفيع وصنعه بديع وليس بوالد ولا مولود ولا لذاته حد محدود ولا لبقائه أجل معدود خضعت الأعناق لعظمته وخشعت الأصوات لهيبته وعنت الوجوه لعزته وذلت الأقوياء لقوته لا يحصى نواله ولا يفني كماله ولا تبيد نعمه وافضاله يا ويلكم كيف طاب لكم الكفر بالهيته والاشراك بربوبيته وان تجعلوا له ولدا من خلقه وبريته وتسجدون للصلبان في دار مملكته ولا تفزعون من عظمته ثم إنه قرأ * (ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون) * ثم قال شرحبيل ان لله عبادا لو أقسموا على الله أن يدكدك لهم هذا السور لفعل وكانت اشارته إلى سور المدينة فغار السور في الأرض وبانت المنازل والدور قال فارتعدت فرائص الملك لما عاين ذلك من عظيم القدرة فلوى عنان جواده إلى عسكره وأفئدتهم قد طارت وأفكار القبط قد حارت فلما جن الليل أخذ الملك خزائنه وأمواله
(٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 ... » »»