لما جن الليل جمع أرسطوليس بن المقوقس أرباب دولته وقال لهم قد ضاق صدري من هؤلاء العرب وقال لهم قد غلا السعر عندنا لان أهل البلاد قد أجلت من خوفهم وان خيلهم تضرب إلى الريف من هذا الجانب والى الصعيد من هذا الجانب والنوبة والبجاوة ما يأتينا منهما أحد للفتنة التي هي بينهم والرأي عندي أن نحارب هؤلاء العرب صبيحة عيدهم قالوا أيها الملك هذا هو الرأي فقال أخرجوا السلاح وفرقوه على من ليس معه سلاح هذا ما جرى عنده وليس عنده خبر بما جرى في قصره بعد نتائج المعركة قال ابن إسحاق وكان من حسن تدبير الله تعالى لعباده المؤمنين انه كان للمقوقس أخ شقيق واسمه ارجانوس وكانا متحابين وكان المقومس لا يقطع أمرا دونه وكانا إذا ركبا لا يفترقان وإذا جلسا يجلسان معا على السرير وكان المقوقس قد دخل في خلوته التي ذكرنا وكان أخوه من محبته قد رتب هناك من يعرفه لما يخرج من خلوته فلما كان في هذه النوبة استبطأه فأتى إلى ابن أخيه فرآه على السرير فقال له ما فعل الملك فقال إنه في خلوته إلى الآن وقد رأى أن طالعه ضعيف مع هؤلاء العرب وقد أمرني أن أكون مكانه حتى يرى ما يريد من قتالهم أو صلحهم قال فكتم ارجانوس الأمر في نفسه وعلم أن أخاه قد قتل وكان ارجانوس ممن يعتقد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ويعلم أن دعوته تطوف المشرق والمغرب وان الملوك تضمحل في أيام أصحابه وسينزلون على البلاد فترك أرجانوس الأمر موقوفا ولم يبد ما في نفسه لآحد فلما خرج ابن أخيه مع العسكر جمع ارجانوس الذين تركهم ابن أخيه لحفظ البلد في قصر الشمع وقال لهم اعلموا ان العقل هو عمدة قوى ابن آدم لان الله قد خصه به دون سائر المخلوقات وأن أخي قد قتله ولده لا محالة وقد كان محبا لكم ومشفقا عليكم واعلموا ان هؤلاء العرب قد كان قدامهم من ملكه أعظم من ملككم وما ثبت بين أيديهم وليس بين دولتكم وبين أن تزول وتضمحل الا أن يلتقي هذان الجيشان وان ظفر بكم هؤلاء العرب قتلوكم ونهبوكم وسكنوا في مساكنكم وأيتموا أولادكم فقالوا أيها الملك فما يكون عندك من الرأي وما تفعل قال إني أرى من الرأي أن تستيقظوا لأنفسكم وتغلقوا أبواب هذا القصر ولا تدعوا أحدا يدخل عليكم من جند الملك ولا هو نفسه فإنهم لا يقدرون أن يقاتلوكم والعرب من ورائهم وانه يعدي إلى الجانب الغربي ويمضي إلي إسكندرية ونعقد لنا صلحا مع هؤلاء العرب على أنفسنا وأولادنا وحريمنا ونسلم لهم بعد ذلك فمن أراد يتبعهم ومن أراد يعطيهم الجزية قال فاستصوبوا رأيه واعلموا أنه نطق
(٦٧)