فتوح الشام - الواقدي - ج ٢ - الصفحة ٣٥
فقال رجل من القوم أنا أكون ذلك الرجل ثم خرج متنكرا وأغلق باسيل خلفه ووصل إلى يزيد بن أبي سفيان وحدثه بالامر على حقيقته وبما كان من أمر يوقنا فسجد لله شكرا وبعث من ساعته إلى المسلمين ليأخذوا على أنفسهم في الكبة على القوم ففعلوا ذلك وأما يوقنا رحمه الله فلما علم أن الخبر وصل إلى المسلمين قال لأصحابه ليصعد منكم خمسمائة رجل إلى السور ويقتلوا من عليه قال باسيل ليس هذا رأيا فان العوام لا اعتبار لهم ولعل الله أن يهديهم إلى الاسلام ولكن مر أصحابك أن يلزموا مطالع السور حتى لا ينزل أحد منهم ويزعقوا بالأمان قال فاستصوب رايه ووكل الرجال بالمطالع ثم زعق يوقنا وأصحابه بصوت مزعج وقالوا لا إله إلا الله محمد رسول الله فسمع كل من في المدينة ومن على السور ذلك فعلموا أن يوقنا وأصحابه تخلصوا من الأسر ووثبوا في المدينة وطارت عقولهم وانزعجت أفئدتهم على أولادهم وأهاليهم فبقوا في حيرة فسمع يزيد بن أبي سفيان الضجة فعلم أن المسلمين قاموا في المدينة فكبر وكبرت المسلمون وهلل الموحدون فسمع الدمستق الضجة من المدينة فعلم أن يوقنا وأصحابه تخلصوا من الأسر وهم الذين فعلوا ذلك فوقع الرعب في قلوبهم ونظروا إلى النيران قد اشتعلت في عسكر المسلمين وتاهبوا للحملة عليهم فلم يبق لهم صبر وقد انقطعت قلوبهم من أجل أموالهم وأولادهم الذين في داخل المدينة وقيسارية محاصرة وليس لهم مدد من ولد الملك فولوا الادبار واتبع المسلمون آثارهم وملكوا خيامهم وما كان فيها فلما أصبح الصباح فتح يوقنا باب المدينة ودخل يزيد بن أبي سفيان ومن معه من المسلمين واحتووا على أموال الروم ونادى من كان على السور الغوث الغوث فأمنهم المسلمون ونزلوا بأجمعهم فقال لهم يزيد أن الله عز وجل قد فتح لنا مدينتكم عنوة وأنتم الآن لنا عبيد فما شئنا حكمنا فيكم ولكن نحن إذا عاهدنا وفينا وإذا قلنا صدقنا وقد أعطيناكم الأمان من أنفسنا ولكن عليكم الجزية على من لم يدخل في ديننا ومن اسلم منكم فله مالنا وعليه ما علينا فأجاب القوم إلى ذلك وأسلم أكثر القوم وبلغ الخبر إلى فلسطين بأن صور قد فتحت فعلم أنه لا بقاء له فأخذ الفرصة وانهزم وأخذ خزائنه وأمواله وذخائره وخدمه واركبهم في المراكب بالليل وقلع يريد اللحوق إلى قسطنطينية فلما نظر أهل قيسارية إلى ذلك خرجوا إلى عمرو بن العاص وصالحوه على أن يسلموا له المدينة فصالحهم على مائة ألف درهم وما ترك الملك من خزائنه ورجاله فأجابوه إلى ذلك وكتب لهم كتاب الصلح فعندها دخل عمرو بن العاص إلى قيسارية وأخذ بقية ما ترك الملك وضرب الجزية عليهم من السنة الآتية كل رجل أربعة دنانير وبذلك أمرهم عمر بن
(٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 ... » »»