وما الذي رأيت من الحق حتى تبعتهم وقد كانت الروم تتخذك عصدا لها وعونا قال له يوقنا يا باسيل ظهر لي من الحق ما ظهر لك من الحق فعرفته وقد هتف بي هاتف يقول لي ان الذي هداك إلى دينه يخلصك وبشرني بالخلاص على يديك قال فلما سمع زاد ايقانه وتحقق ايمانه وقال ليوقنا لقد انطق الله لسانك بالحق وان الله تعالى كشف حجاب الغفلة عن قلبي منذ رايت نبي هؤلاء القوم بدير بحيرا الراهب وهو في قافلة لأهل مكة ورأيت من دلائله أنه لا يسير على الأرض الا والشجر تسير اليه والسحابة على رأسه تظلله ولقد استند إلى شجرة يابسة فأورقت في الحال وأنبأني بحيرا الراهب أنه وجد في العلم أن جماعة من الأنبياء استندوا إليها وجلسوا حولها فلم تورق فلما استند بظهره إليها أورقت أغصانها وأينعت فعجبت من ذلك وسمعت بحيرا يقول هذا والله الذي بشر به المسيح فطوبى لمن تبعه وآمن به وصدقه فلما عدت من زيارة بحيرا سافرت إلى القسطنطينية بتجارة وطفت في بلاد الروم وأقمت ما شاء الله ثم عدت إلى قيسارية فرأيت الروم في هرج ومرج فسألت عن أحوالهم فقيل قد ظهر نبي في الحجاز اسمه محمد بن عبد الله وقد أخرجه قومه من مكة وقد أتى إلى المدينة التي بناها تبع وقد ظهر على قومه ونصر عليهم فما زلت أسأل عن أخباره وهي في كل يوم تنمو وتزيد حتى مات ثم ولى صاحبه أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأنفذ جيوشه إلى الشام فلم يلبث الا يسيرا ثم مات وولى هذا الرجل عمر بن الخطاب ففتح بلادنا وهزم جيوشنا وأنا مع ذلك أنتظر قدومهم إلى هذا الساحل حتى أتى الله بهم فقال له يوقنا وما الذي عزمت عليه قال عزمت والله أن أفارق قومي وأتبعكم فان الحق بين ثم حل يوقنا وأصحابه وسلم إليهم العدد والسلاح وقال ليوقنا اعلم أن مفاتيح أبواب المدينة عندي والعسكر خارج المدينة مشتغل بقتال العرب وليس في المدينة من يخاف جانبه فانهض على اسم الله فقال يوقنا جزاك الله خيرا فلقد هداك الله إلى دينه وسلك بطل طريق النجاة وختم لك بخير ويجب الآن علينا أن نظهر أنفسنا ونبعث في المراكب حتى ينزلوا الينا ونكون نحن يدا واحدة فقال باسيل سأفعل ذلك ثم إنه خرج في حال الخفاء وفتح باب البحر ومعه رجل من بني عم يوقنا وركبا زورقا حتى وصلا إلى البحر والمراكب وحدثاهم بما قد كان فأقبل كل مركب برجاله اليهما وساروا إلى أن نزل الجيمع وحصلوا داخل المدينة أعني مدينة صور وأعمى الله أبصار الكفار فلما هموا أن يثوروا قال يوقنا ليس هذا من الرأي وأين من يهب نفسه لله عز وجل ويخفي أمره ويخرج من الباب ويدور إلى عسكر المسلمين ويتوصل إلى أميرهم ويعلمه بما كان منا ويكون على أهبة وإذا سمع بنا أحد لا يهوله وليصدم جيش العدو
(٣٤)