فتوح الشام - الواقدي - ج ٢ - الصفحة ٢٧١
حاجتك فقال له أأنت أمير القوم قال لا ولكني متكلم عن الأمير فقال له لم تركتم بلاد الشام والنعم العظام وأتيتم إلى هذه البلاد وكنتم في بلاد الحجاز تقاسون جوعا وعريا فذقتم فواكه الشام وثمار الحجاز وخيرات اليمن فلم يكفكم ذلك حتى أتيتم إلى مصر وقهرتم القبط وأتيتم إلى بلاد الفرس وقهرتم ملوكها ولم تكتفوا حتى أتيتم الينا وهجمتم علينا في بلادنا وقتلتم ابطالنا ونهبتم أموالنا ونحن نتغافل عنكم ونهمل أمركم حتى غلظت شوكتكم وقصدتم مدينتنا التي هي دار ملكنا ومحل ولايتنا ولقد طلبها من قبلكم من الفراعنة والجبابرة والقبط والقياصرة والأكاسرة والجرامقة ورجعوا خائبين وأنتم هجمتم علينا وقتلتم رجالنا فقولوا لنا ما الذي تريدون منا فان كنتم تريدون مالا وترجعون عنا قمت أنا عن الملك بذلك وترحلون عنا وتردون لنا ما ملكتم من بلادنا وان الملك لا يخالف لي أمرا فأخبروني ما الذي تريدون وما الذي تطلبون فقال له جرير أفرغت من كلامك فقال له نعم قال له جرير خذ جوابك أما قولك كنا في ضيق حال فهو كما ذكرت ولكن أنعم الله علينا بالاسلام وهو أول نعمة أمرنا بالجهاد وان الله تعالى أباح لنا أموال المشركين ما داموا محاربين وأمرنا أن نجاهدكم حتى تؤدوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون أو تسلموا أو تقاتلوا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين وأما قولك المال فليس هو غرضنا ولا متاع الدنيا شهواتنا وان بلادكم عن قريب تكون لنا وأموالكم غنيمة لنا نتقاسمها قال الواقدي فلما سمع البطريق الكلام غضب غضبا شديدا وقال أنا كفء لكم دون الملك ثم أمر أصحابه بالحملة على جرير قال فما لويت عنان جوادي الا والخيل قد ركبتني فعندها تواثب المسلمون واقتتلوا قتالا شديدا وتبادرت الرجال وزمجرت الابطال وزحفت الافيال وتراشقوا بالنبال وتضاربوا بالنصال وتطاعنوا بالعوال والتقى الجمعان واصطدم الفريقان واشتد النزال وكثرت الأهوال وتقاتلت الفرسان وولى الجبان حيران فلله در المغيرة بن شعبة وعون بن ساعدة وعبادة بن تميم والفضل بن العباس رضي الله عنه لقد قاتلوا قتالا شديدا وأبلوا بلاء حسنا ولم يزل القتال يشتد من ارتفاع الشمس إلى الغروب فعندها وثب عبد الله بن جعفر إلى قابيل وضربه ضربة فحاد عنها عدو الله وولى هاربا وحمته جماعة نحو ثلاثمائة فارس ولم يزل الفريقان في قتال ونزال إلى أن غابت الشمس وافترق الجمعان وقد قتل من المسلمين نحو خمسين رجلا ختم الله لهم بالشهادة وقتل من الروم نحو ألفي فارس قال واجتمعت الروم حول قابيل حين ولى هاربا إلى أن وصل إلى البطليوس فلما رآهم وبخهم وقال لهم بأي وجه تفرون من العرب ولم تصبروا
(٢٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 ... » »»