وهطلت مدامعه على وجنته أحر من الجمر ثم جعل يسترجع ويقول * جرى مدمعي فوق المحاجر منهمل * وحر فؤادي من جوى البين يشتعل * وهام فؤادي حين أخبرت نعيه * فليت بشير البين لا كان قد وصل * لقد ذوب الأحشاء وأجرى مدامعي * صبيبا وعن نار الفؤاد فلا تسل * سأبكي عليه كلما أقبل المسا * وما ابتسم الصبح المنبر وما استهل * لقد ذوب الاحشا وأجرى مدامعي * صبيبا وعن نار الفؤاد فلا تسل * وكان كريم العم والخال سيدا * إذا قام سوق الحرب لا يعرف الوجل * أحاطت به خيل اللئام بأسرهم * وقد مكنوا منه المهند والأسل * وعيشك تلقاهم صراعا على الثرى * عليهم يسوق الوحش والطير محتفل * فوا أسفا لو أنني كنت حاضرا * بأبيض ماضي الحد في الحرب مكتمل * وحق الذي حجت قريش لبيته * وأرسل طه المصطفى غاية الامل * لأقتل منهم في الوغى ألف سيد * إذا سلم الرحمن واتسع الاجل * قال الواقدي وأقبلت الامراء يعزون خالدا ومدامعهم تفيض من عيونهم ويقولن أعظم الله لك أجرا وأعقبك عليه صبرا وجعله لك غدا في المعاد ذخرا والله لقد عدمنا القوى وقد أبيد القلب من حشاشتنا واكتوى ونحن لقتله ذاهلون إنا لله وإنا إليه راجعون وكذلك يعزون المقداد في ولده عبد الله وبلغ الخبر عمرو بن العاص بمصر وهو مقيم بها فكتب لهما كتابا بالتعزية وبلغ الخبر المدينة لعمر بن الخطاب فاسترجع هو وبقية الصحابة مثل علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله ومن كان حاضرا من الصحابة بالمدينة الطيبة رضي الله عنهم وكتبوا إلى خالد والمقداد كتابا يعزونهما فلما وصل الكتاب إلى خالد والمقداد اطمأنا لما عليهما من الصبر وما لهما من الأجر والثواب قال الواقدي هذا ما جرى لهؤلاء وأما البطليوس لعنه الله فإنه لما تحقق مجيء العرب إلى مدينة البهنسا فتح خزائن الأموال وفرق المال والسلاح والعدة من الملبوس والدروع وغير ذلك وفرق على البطارقة وعلى غيرهم من الجند وكان هناك بيت مقفل كما ذكرنا فيه صفة العرب وأسماؤهم فأمر بفتحه وهو يظن أن فيه مالا مدخرا فمنعه القسوس والرهبان من ذلك فأبى ففتحه فلم يجد فيه الا صفة العرب وأسماءهم كما ذكرنا أول الكتاب فنظر لذلك ودخل الكنيسة وجلس على سريره وجمع حوله البطارقة فاستشارهم في أمره فقام شيخ كبير راهب وكان مطاعا عنده مسموع الكلام كبير السن وكان عمره مائة وعشرين سنة فقام وعليه جبة سوداء وعلى رأسه قلنسوة وفي يده عكازه من الآبنوس ملبسة بالعاج والذهب فقرب من الهيكل وتكلم
(٢٦٧)