فتوح الشام - الواقدي - ج ٢ - الصفحة ٢٦٨
بكلام لا يفهم ثم قال بعد ذلك يا أهل دين النصرانية وبني ماء المعمودية قد كانت دولتكم قائمة وكلمتكم مسموعة ما دمتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتعدلون في الرعية وتأخذون للمظلوم من الظالم وتنصفون الضعيف من القوي وتواسون الفقير ولا تمدون أيديكم إلى شيء من أموال الناس وتهابون الزنا وكانت الدولة لكم وقلوب الرعية منجذبة إليكم وداعية لكم وكان الملك فيكم ولما لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر وظلمتم الرعية وجرتم في الاحكام وحكمتم بغير الحق ولا تأخذون للضعيف حقه من القوي ومددتم أيديكم إلى أموال الرعية وفشت فيكم المعاصي فتغيرت قلوب الرعية ومدوا أيديهم بالدعاء عليكم ودعاء المظلوم مستجاب وكثرة الظلم خراب فيوشك أن تنزع هذه النعمة من أيديكم وتعود إلى غيركم بكثرة ذنوبكم وشؤم معاصيكم وبدعاء المظلومين عليكم فلأجل ذلك سلطت عليكم العرب فملكوا بلادكم وقتلوا رجالكم ونهبوا أموالكم وسكنوا منازلكم واستولوا على معاقلكم فتيقظوا من غفلتكم وذبوا عن حريمكم وأموالكم ولا تمكنوا العرب من جانبكم وهذه مقالتي لكم جميعا فلما سمع البطليوس لعنه الله كلام القس وما تكلم به التفت إلى بطارقته وجماعته ونوابه وقال هل سمعتم ما قال أبوكم قالوا سمعنا قال فما عندكم من الرأي قالوا نحن معك وبين يديك ونقاتل العرب ولا نطمعهم فينا كما طمعوا في غيرنا وان غلبونا استعددنا للحصار وعندنا من الميرة والعلوفة ما يكفينا عشر سنين وأزيد وبلدنا حصين ولا نسلم أنفسنا والا يكون علينا عارا عند الملوك قال فشكرهم البطليوس على ذلك ووثب قس اخر وكان يناظر ذلك القس في المعرفة واستخرج كتابا معلقا كان عنده في صندوق من الآبنوس مقفل باقفال من الفولاذ وقال يا أهل دين النصرانية وبني ماء المعمودية اسمعوا ما نعته لكم العلماء والكهان والحكماء انه يبعث نبي في آخر الزمان يسمى محمد بن عبد الله من بني عدنان يموت أبوه وأمه ويكفله جده وعمه يبعثه الله نبيا إلى جميع البشر مولده بمكة ودار هجرته طيبة ثم يقيم أعواما ويتوفاه الله تعالى ثم يتولى الأمر من بعده رجل يسمى أبا بكر وتزداد العرب به فخرا ويجهز العساكر إلى الشام ثم لم يلبث إلا أياما قلائل ويتوفاه الله تعالى ويتولى الامر من بعده الرجل الأصلع الأحور المسمى بعمر وهو صاحب الفتوح ومصبح الأعداء بأشأم صبوح تفتح على يديه الأمصار وبيعث سراياه إلى سائر الأقطار وانا نجد في الكتب القديمة أن هذه المدينة تفتح على يد رجل أسمر شجاع غضنفر فارس شديد وبطل صنديد يسمى خالد بن الوليد فان سمعتم قولي وقبلتم فاعقدوا مع العرب صلحا فان الدولة لهم ودينهم الحق ولو قاتلهم أهل المشرق والمغرب غلبوهم ببركة
(٢٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 ... » »»