فتوح الشام - الواقدي - ج ٢ - الصفحة ٢٥٦
أصحابه ماذا يصنعون وقد أعياه فتح الباب فقال له المرزبان رضي الله عنه وكان من مرازبة كسرى وقد أسلم وخرج إلى الجهاد وحبس نفسه لله عز وجل وهو المقتول بالبهنسا قريبا من البلد شرقي البحر اليوسفي في وقعة صاحب طنجة ذات الأعمدة وسيأتي ذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى فقال المرزبان اننا كنا في بلاد الفرس إذا حاصرنا مدينة ولم نقدر على فتحها أخذنا زيتا وكبريتا ووضعناه في صناديق من خشب وجعلنا لها أعوادا تحملها رجال ورجال يذبون عنهم إلى أن يصلوا إلى الباب أو إلى قريب منه ويجعلون في الصناديق نارا ويولون فتعلق النار في الأبواب ويذوب الحديد فتفتح الأبواب وتعلق النار في الحطب والخشب والحجارة فتهدمها فقال خالد نفعلها إن شاء الله تعالى فلما أصبحوا فعلوا ذلك وأسرعوا في جمع ما ذكرنا ووضعوه في صناديق وجعلوا في أطرافها أعوادا طوالا من أسفلها وحملتها الرجال وخرج خلفهم الفرسان يقاتلون والمرزبان أمامهم يعلمهم كيف يصنعون وهم مستترون بالدرق والحجف والحجارة والنبال تتساقط عليهم من أعلى السور حتى وصلوا إلى أول باب من أبواب المدينة وهو الباب الشرقي وهو أعظم أبوابها فلما قربوا من الباب رفعوا الصناديق على الباب وألقوا النار في الزيت والكبريت ووضعوها وانقلبوا فلم يكن أسرع من لحظة حتى تعلقت النار بحجارة الباب والأخشاب والحديد وثارت النار إلى أعلى السور حتى وصلت إلى البرج فسقط البرج بمن فيه من الروم وهلك منهم جماعة كثيرة وتبادرت المسلمون إلى الباب وملئوا قرب الماء وأطفئوا تلك النار ودخلوا من الباب وقصدوا قصر الملك وكان حصينا على أعمدة من الحجارة المنحوتة وكانوا أغلقوا أبوابه ففعلوا به كما ذكرنا ولما رأى الملعون ذلك لم يطق أن يصبر وأمر بفتح الباب وصاح الأمان ومعه جماعة من حشمه وخدمه وبطارقته فعرضوا عليهم الاسلام فأبوا فأمر خالد بضرب أعناقهم فمن أسلم تركوه ومن أبى قتلوه واستغاثت بهم السوقة والرعية وقالوا مغلوبون فمن أسلم تركوه ومن بقي على دينه ضربوا عليه الجزية وهدموا دورا وأماكن حتى صارت تلالا وغنم المسلمون أموالا كثيرة من أواني الذهب والفضة والفرش الفاخرة ووضعوا فيها عبادة بن قيس قيما ومعه ثلاثمائة من المسلمين وخرجوا بظاهر المدينة ولم يبق الا من أسلم ومن وضعت عليه الجزية وعمروا بها مسجدا ولما فرغ خالد من ذلك جمع الغنائم وأخرج خمسها وأرسله إلى عمرو بن العاص يرسله إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المدينة وأرسل لعمرو بن العاص سهمه ولأصحابه المؤمنين المقيمين بمصر ونواحيها وأقام
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»