ذلك فتركوهم وكلمهم الملك فأبوا حتى ينزل عن سريره فنزل وكلمهم بلسان عربي وسألهم عن حالهم فأجابوا أنهم لا يفارقونه حتى يسلم هو وقومه أو يؤدوا الجزية أو القتال فامتنع عن ذلك وقال اذهبوا والموعد غدا للقتال وخرجوا من عنده على ذلك ورجعوا إلى خالد وأعلموه بذلك فتأهب الامراء للحرب فلما أصبح خالد صلى بأصحابه صلاة الصبح وبادروا للحرب والقتال وصاحوا النصر النصر يا خيل الله اركبي وللجنة اطلبي فركب المسلمون خيولهم وركزوا راياتهم واصطفوا ميمنة وميسرة وقلبا وجناحين وخالد في وسط الجيش وعلى الساقة ميسرة بن مسروق العبسي ومالك الأشتر النخعي في خمسمائة فارس من المهاجرين والأنصار قال الراوي فلم تكن غير ساعة حتى برزت الروم وأظهرت صلبانها قال حدثنا رافع بن مالك عن عباد بن مازن عن محمد بن مسلمة الأنصاري رضي الله عنه قال لما أقبلت رايات القوم عددناها فإذا هي خمسون صليبا تحت كل صليب ألف فارس فكان أول من افتتح الحرب بطريق عليه ديباجة حمراء وعلى رأسه بيضة معصب عليها بعصابة من جوهر فبرز إليه فارس من خثعم يقال له زيد بن هلال فقتله ثم طلب البراز فبرز اليه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم يمهله أن ضربه بالسيف على عاتقه الأيمن فخرج يلمع من عاتقه الأيسر فانجدل عدو الله يخور في دمه وعجل الله بروحه إلى النار وطلب البراز فبرز اليه فارس من الروم فقتله ثم آخر فقتله وطلب الميمنة وشوش صفوفهم وقتل أبطالهم ثم عاد إلى القلب ثم خرج من بعده شرحبيل بن حسنة وفعل كفعله ثم حمل من بعده الفضل بن العباس ثم حمل من بعده العباس بن مرداس ثم من بعده أبو ذر الغفاري ثم تبارد المسلمون بالحملة فلما رأى الروم ذلك ايقظوا أنفسهم في عددهم وعديدهم وتظاهروا البيض والدرع ولم يزل القتال بينهم حتى توسطت الشمس في قبة الفلك قال الراوي فعندها حمل خالد بن الوليد وغاص في الميمنة فقلبها على الميسرة وغاص في الميسرة فقلبها على الميمنة وقاتلت العرب قتالا شديدا حتى جاء الليل وحجز بين الفريقين وبات المسلمون يتحارسون وتفقد المسلمون بعضهم بعضا فإذا قد قتل منهم اثنان وأربعون رجلا ختم الله لهم بالشهادة الأعيان منهم ربيعة بن عامة الداودي وزيد بن ربيعة المحاربي وغانم بن نوفل المحاربي وصفوان بن مرة اليربوعي والبقية من أخلاط الناس وقتل من أعداء الله ألف وثلاثمائة وأزيد ولما خلا عدو الله بأصحابه تذاكروا ما وقع في
(٢٥٤)