فتوح الشام - الواقدي - ج ٢ - الصفحة ٢٥٥
الحرب وصعب عليهم ما لقوه من العرب فأراد الملك الصلح فغلب البطارقة عليه وأعدوا للحرب والقتال فلما أصبح الله الصباح وبارق الفجر لاح صلى المسلمون صلاة الصبح ثم اصطفوا على ظهور خيولهم واصطفت الروم وبرزت البطارقة وأظهروا زينتهم وبرز بطريق عظيم يقال له صاحب طنسا وعليه لامة حربه وطلب البراز فبرز اليه الفضل بن العباس فتجاولا وتعاركا وتخالفا بضربتين فكان السابق بالضربة الفضل بن العباس فضربه بالسيف على رأسه فوصل إلى أضراسه فانجدل صريعا يخور في دمه وعجل الله بروحه إلى النار وبئس القرار وبرز بطريق ثان فقتله ولم يزل كذلك حتى قتل أربعة من خيارهم فحملت الروم حملة واحدة وحمل المسلمون وحمل ضرار بن الأزور رضي الله عنه وأظهر شجاعته وحمل مذعور بن غانم الأشعري والفضل بن العباس ومحمد بن عقبة بن أبي معيط ومسلم وجعفر وعلي أبناء عقيل وعبد الله بن جعفر وسليمان ابن خالد وعبد الرحمن بن أبي بكر وتجاهرت الامراء وعظم الخطب وكثر الطعن والضرب وثار القتام حتى صار النهار كالظلام وتراشقوا بالنبال واشتد القتال وقطعت المعاصم وطارب الجماجم فما كنت ترى الا جوادا غائرا ودما فائرا واشتد الكرب وكثر الطعن والضرب وسال العرق واحمرت الحدق وجال خالد كالأسد وأرغى وأزبد فعند ذلك رفع غانم بن عياض طرفه إلى السمار وقال يا عظيم العظماء أنزل علينا نصرك كما أنزلته علينا في مواطن كثيرة وانصرنا على القوم الكافرين فامنت جماعة من الامراء على دعائه فما كان غير بعيد حتى رأيت الرجال الكفار يتساقطون لا ندري بماذا يقتلون فلما رأى الروم ذلك فروا إلى الباب وتبعتهم المسلمون يقتلون ويأسرون وينهبون والحجارة تأخذهم من أعلى السور وهم لا يلتفتون إلى ذلك ودخلوا إلى الأبواب ودخل اللعين وصال عليهم خالد وجماعة من الامراء واقتطعوا قطعة من الروم نحو خمسة آلاف وكان المسلمون قريبين من اللعين فاقتتلوا عند الباب ورموهم بالحجارة فقتلوا منهم نحو من ثلاثة آلاف وخرج من الباب نحو من ألف فارس وحملوا ودخل الباقون وأغلقوا بابهم وطلعوا على الاسوار واشتد القتال والحصار ورموا بالحجارة والنبال حتى فرق الليل بينهم قال الراوي وأقام المسلمون على حصار أهناس ثلاثة أشهر وفي كل يوم يناوشونهم بالقتال والأسوار رفيعة والأبواب منيعة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم يشنون الغارات حتى يصلوا إلى أطراف الكورة قال الراوي واقام المسلمون على حصار اهناس ثلاثة أشهر وفي كل عنهم المدد وضاقت أنفسهم وطمعت فيهم الصحابة ثم إن خالدا استشار
(٢٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 ... » »»